اللَّفْظِ. وَفِي هَذَا الْبَابِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ، لَكِنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الْأَرْبَعَ هِيَ أُصُولُ هَذَا الْبَابِ، إِذْ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الْبَابِ رَاجِعًا إِلَى الِاخْتِلَافِ فِي هَذِهِ، وَذَلِكَ فِي الْأَكْثَرِ مِثْلَ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ رُءُوسًا فَأَكَلَ رُءُوسَ حِيتَانٍ هَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا؟ فَمَنْ رَاعَى الْعُرْفَ قَالَ: لَا يَحْنَثُ، وَمَنْ رَاعَى دَلَالَةَ اللُّغَةِ قَالَ: يَحْنَثُ.
وَمِثْلَ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا، فَمَنِ اعْتَبَرَ دَلَالَةَ اللَّفْظِ الْحَقِيقِيِّ، قَالَ: لَا يَحْنَثُ، وَمَنْ رَأَى أَنَّ اسْمَ الشَّيْءِ قَدْ يَنْطَلِقُ عَلَى مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ قَالَ: يَحْنَثُ.
بِالْجُمْلَةِ فَاخْتِلَافُهُمْ فِي الْمَسَائِلِ الْفُرُوعِيِّةِ الَّتِي فِي هَذَا الْبَابِ هِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَرَاجِعَةٌ إِلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ مِنْهَا مَا هِيَ مُجْمَلَةٌ، وَمِنْهَا مَا هِيَ ظَاهِرَةٌ، وَمِنْهَا مَا هِيَ نُصُوصٌ.
ِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي الْأَيْمَانِ هِيَ أَرْبَعَةُ الْأَنْوَاعِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] الْآيَةَ. وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى أَنَّ الْحَالِفَ إِذَا حَنِثَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ مِنْهَا: أَعْنِي الْإِطْعَامَ أَوِ الْكِسْوَةَ أَوِ الْعِتْقَ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الصِّيَامُ إِلَّا إِذَا عَجَزَ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا غَلَّظَ الْيَمِينَ أَعْتَقَ أَوْ كَسَا، وَإِذَا لَمْ يُغَلِّظْهَا أَطْعَمَ.
وَاخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ فِي سَبْعِ مَسَائِلَ مَشْهُورَةٍ:
الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: فِي مِقْدَارِ الْإِطْعَامِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَشَرَةِ مَسَاكِينَ.
الثَّانِيَةُ: فِي جِنْسِ الْكِسْوَةِ إِذَا اخْتَارَ الْكِسْوَةَ وَعَدَّدَهَا.
الثَّالِثَةُ: فِي اشْتِرَاطِ التَّتَابُعِ فِي صِيَامِ ثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ أَوْ لَا اشْتِرَاطِهِ.
الرَّابِعَةُ: فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الْمَسَاكِينِ.
الْخَامِسَةُ: فِي اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ فِيهِمْ وَالْحُرِّيَّةِ.
السَّادِسَةُ: فِي اشْتِرَاطِ السَّلَامَةِ فِي الرَّقَبَةِ الْمُعْتَقَةِ مِنَ الْعُيُوبِ.
السَّابِعَةُ: فِي اشْتِرَاطِ الْإِيمَانِ فِيهَا.
الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: أَمَّا مِقْدَارُ الْإِطْعَامِ: فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ: يُعْطَى لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ، بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: الْمُدُّ خَاصٌّ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَطْ لِضِيقِ مَعَايِشِهِمْ، وَأَمَّا سَائِرُ الْمُدُنِ فَيُعْطُونَ الْوَسَطَ مِنْ نَفَقَتِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجْرِي الْمُدُّ فِي كُلِّ