وَأَمَّا إِنْ قَتَلَهُ فِي حِينِ الْمَعْمَعَةِ فَلَيْسَ لَهُ سَلَبٌ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ. وَقَالَ قَوْمٌ: إِنِ اسْتَكْثَرَ الْإِمَامُ السَّلَبَ جَازَ أَنْ يُخَمِّسَهُ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هُوَ احْتِمَالُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعْدَمَا بَرَدَ الْقِتَالُ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» - أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى جِهَةِ النَّفْلِ، أَوْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْقَاتِلِ. وَمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوِيَ عِنْدَهُ أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ النَّفْلِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَا قَضَى بِهِ إِلَّا أَيَّامَ حُنَيْنٍ.

وَلِمُعَارَضَةِ آيَةِ الْغَنِيمَةِ لَهُ إِنْ حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ، أَعْنِي قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ. فَإِنَّهُ لَمَّا نَصَّ فِي الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِلَّهِ عُلِمَ أَنَّ أَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ وَاجِبَةٌ لِلْغَانِمِينَ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى الثُّلُثِ لِلْأُمِّ فِي الْمَوَارِيثِ عُلِمَ أَنَّ الثُّلُثَيْنِ لِلْأَبِ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا الْقَوْلُ مَحْفُوظٌ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حُنَيْنٍ وَفِي بَدْرٍ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: " كُنَّا لَا نُخَمِّسُ السَّلَبَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ".

وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ» ". وَخَرَّجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ حَمَلَ عَلَى مَرْزُبَانَ يَوْمَ الدَّارَةِ، فَطَعَنَهُ طَعْنَةً عَلَى قَرَبُوسِ سَرْجِهِ، فَقَتَلَهُ. فَبَلَغَ سَلَبُهُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لِأَبِي طَلْحَةَ: إِنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ السَّلَبَ، وَإِنَّ سَلَبَ الْبَرَاءِ قَدْ بَلَغَ مَالًا كَثِيرًا، وَلَا أُرَانِي إِلَّا خَمَّسْتُهُ. قَالَ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: فَحَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ أَوَّلُ سَلَبٍ خُمِّسَ فِي الْإِسْلَامِ. وَبِهَذَا تَمَسَّكَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ السَّلَبِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي السَّلَبِ الْوَاجِبِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: لَهُ جَمِيعُ مَا وَجَدَ عَلَى الْمَقْتُولِ، وَاسْتَثْنَى قَوْمٌ مِنْ ذَلِكَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ.

[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ مَا وُجِدَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْكُفَّارِ]

وَأَمَّا أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي تُسْتَرَدُّ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ مَا اسْتَرَدَّ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ لِأَرْبَابِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ لِلْغُزَاةِ الْمُسْتَرِدِّينَ لِذَلِكَ مِنْهَا شَيْءٌ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو ثَوْرٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015