وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: " كُنَّا نُصِيبُ فِي مُغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَدْفَعُهُ " خَرَّجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ.

وَاخْتَلَفُوا فِي عُقُوبَةِ الْغَالِّ فَقَالَ قَوْمٌ: يُحْرَقُ رَحْلُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لَهُ عِقَابٌ إِلَّا التَّعْزِيرُ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ اخْتِلَافُهُمْ فِي تَصْحِيحِ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ، عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ غَلَّ فَأَحْرِقُوا مَتَاعَهُ» .

[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ الْأَنْفَالِ]

ِ وَأَمَّا تَنْفِيلُ الْإِمَامِ مِنَ الْغَنِيمَةِ لِمَنْ شَاءَ أَعْنِي: أَنْ يَزِيدَهُ عَلَى نَصِيبِهِ - فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفُوا مِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَكُونُ النَّفْلُ، وَفِي مِقْدَارِهِ؟ وَهَلْ يَجُوزُ الْوَعْدُ بِهِ قَبْلَ الْحَرْبِ؟ وَهَلْ يَجِبُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ؟ أَمْ لَيْسَ يَجِبُ إِلَّا أَنْ يُنَفِّلَهُ لَهُ الْإِمَامُ؟ فَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ هِيَ قَوَاعِدُ هَذَا الْفَصْلِ.

أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الأُولَى فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: النَّفْلُ يَكُونُ مِنَ الْخُمُسِ الْوَاجِبِ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: بَلِ النَّفْلُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، وَهُوَ حَظُّ الْإِمَامِ فَقَطْ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ قَوْمٌ: بَلِ النَّفْلُ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ أَجَازَ تَنْفِيلَ جَمِيعِ الْغَنِيمَةِ.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ هُوَ هَلْ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ الْوَارِدَتَيْنِ فِي الْمَغَانِمِ تَعَارُضٌ؟ أَمْ هُمَا عَلَى التَّخْيِيرِ؟ أَعْنِي: قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ، وقَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] الْآيَةَ.

فَمَنْ رَأَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] نَاسِخًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} [الأنفال: 1]- قَالَ: لَا نَفْلَ إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ، أَوْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ. وَمَنْ رَأَى أَنَّ الْآيَتَيْنِ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُمَا عَلَى التَّخْيِيرِ أَعْنِي أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ مَنْ شَاءَ، وَلَهُ أَلَّا يُنَفِّلَ، بِأَنْ يُعْطِيَ جَمِيعَ أَرْبَاعِ الْغَنِيمَةِ لِلْغَانِمِينَ - قَالَ بِجَوَازِ النَّفْلِ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ.

وَلِاخْتِلَافِهِمْ أَيْضًا سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ اخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِي ذَلِكَ أَثَرَانِ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015