الْحُكْمَ إِذَا ثَبَتَ بِطَرِيقٍ يُوجِبُ الْعَمَلَ لَمْ يَرْتَفِعْ إِلَّا بِطَرِيقٍ يُوجِبُ الْعَمَلَ بِرَفْعِهِ، وَحَدِيثُ ثَوْبَانَ قَدْ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا، وَذَلِكَ شَكٌّ، وَالشَّكُّ لَا يُوجِبُ عَمَلًا وَلَا يَرْفَعُ الْعِلْمَ الْمُوجِبَ لِلْعَمَلِ، وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ لَا يَرَى الشَّكَّ مُؤَثِّرًا فِي الْعِلْمِ.
وَمَنْ رَامَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا حَمَلَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَحَدِيثَ الِاحْتِجَامِ عَلَى رَفْعِ الْحَظْرِ.
وَمَنْ أَسْقَطَهُمَا لِلتَّعَارُضِ قَالَ بِإِبَاحَةِ الِاحْتِجَامِ لِلصَّائِمِ.
وَأَمَّا الْقَيْءُ: فَإِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ بِمُفْطِرٍ، إِلَّا رَبِيعَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: مُفْطِرٌ، وَجُمْهُورُهُمْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَقَاءَ فَقَاءَ فَإِنَّهُ مُفْطِرٌ إِلَّا طَاوُسًا.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: مَا يُتَوَهَّمُ مِنَ التَّعَارُضِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَاخْتِلَافُهُمْ أَيْضًا فِي تَصْحِيحِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَانِ:
أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاءَ فَأَفْطَرَ " قَالَ مَعْدَانُ: فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ حَدَّثَنِي " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاءَ فَأَفْطَرَ، قَالَ: صَدَقَ أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضَوْءَهُ» وَحَدِيثُ ثَوْبَانَ هَذَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَالْآخَرُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ» . وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
فَمَنْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ الْأَثَرَانِ كِلَاهُمَا قَالَ: لَيْسَ فِيهِ فِطْرٌ أَصْلًا. وَمَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ حَدِيثِ ثَوْبَانَ وَرَجَّحَهُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْجَبَ الْفِطْرَ مِنَ الْقَيْءِ بِإِطْلَاقٍ. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَسْتَقِيءَ أَوْ لَا يَسْتَقِيءَ. وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَقَالَ حَدِيثُ ثَوْبَانَ مُجْمَلٌ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُفَسَّرٌ، وَالْوَاجِبُ حَمْلُ الْمُجْمَلِ عَلَى الْمُفَسَّرِ فَرَّقَ بَيْنَ الْقَيْءِ وَالِاسْتِقَاءِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.
الرُّكْنُ الثَّالِثُ
وَهُوَ النِّيَّةُ
وَالنَّظَرُ فِي النِّيَّةِ فِي مَوَاضِعَ:
مِنْهَا: هَلْ هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ أَمْ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ؟ وَإِنْ كَانَتْ شَرْطًا فَمَا الَّذِي يُجْزِئُ مِنْ تَعْيِينِهَا؟ وَهَلْ يَجِبُ تَجْدِيدُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ أَمْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ النِّيَّةُ الْوَاقِعَةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ؟ وَإِذَا أَوْقَعَهَا الْمُكَلَّفُ فَأَيُّ وَقْتٍ إِذَا