[كِتَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] [الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْم زكاة الفطر]
وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ يَتَعَلَّقُ بِفُصُولٍ:
الْأَوَّلُ: مَعْرِفَةُ حُكْمِهَا.
الثَّانِي: فِي مَعْرِفَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ؟
الثَّالِثُ: كَمْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَمِمَّاذَا تَجِبُ عَلَيْهِ؟
الرَّابِعُ: مَتَى تَجِبُ عَلَيْهِ؟
الْخَامِسُ: مَنْ تَجُوزُ لَهُ؟
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِهَا
فَأَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ: فَإِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ. وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالزَّكَاةِ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: تَعَارُضُ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى النَّاسِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ» . وَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُقَلِّدُ الصَّاحِبَ فِي فَهْمِ الْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ مِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إِذَا لَمْ يُعَدَّ لَنَا لَفْظَهُ.
وَثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الْمَشْهُورِ: «وَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» .
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الزَّكَاةَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَذَهَبَ الْغَيْرُ إِلَى أَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا بِهَا قَبْلَ نُزُولِ الزَّكَاةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الزَّكَاةِ لَمْ نُؤْمَرْ بِهَا وَلَمْ نُنْهَ عَنْهَا وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ» .