قلت: فكان ماذا؟ وهل يرتضي محصِّل بردِّ موجب الدليل الصحيح لكونه خلافَ قول عالم معيَّن، هذه طريقةُ الخفافيش، فأما أهلُ: البصائر فإنهم لا يردُّون الدليلَ وموجبه يقول مُعَيَّنٍ أبدًا، وقليلٌ ما هم.
ولا ريْبَ أن أبا بشر (?) -رحمه الله- ضَرَبَ في هذا العلمِ بالقِدْح المُعَلَّى، وأَحْرَزَ من قَصَبَات سَبْقِهِ، واستولى من أمدِهِ (?) على ما لم يَسْتَوْلِ عليه غيرُهُ، فهو المُصَلِّي في هذا المضمار، ولكن لا يوجبُ ذلك أن يُعْتَقَدَ أنه أحاطَ بجميع كلامِ العرب، وأنه لا حقَّ إلا ما قالَهُ، وكم (ق/215 ب) لسيبويه من نَصٍّ قد خالفه جمهورُ أصحابه فيه، والمُبَرِّزونَ منهم، ولو ذهبنا نذكرُ ذلك لطال الكلام به.
ولا تنسَ قولَه في باب الصِّفة المُشَبَّهَةِ (?): "مَرَرْتُ برَجُلٍ حَسَنٍ وَجْهُهُ" بإضافة حسن إلى الوجه، والوجه إلى الضمير، ومخالفة جميع البصريين والكوفيين في ذلك، فسيبويه رحمه اللهُ ممن يُؤْخَذُ من قوله ويترك، وأما أن نعتقدَ صحَّة قوله في كلِّ شيءٍ فكلاَّ، وسنفردُ إن شاء الله كتابًا للحكومة بين البصريين والكوفيين فيما اختلفوا فيه، وبيان الراجح من ذلك، وباللهِ التوفيق والتَّأْييد.
فإن قلت: يكفي في رد ما اخترتموه في "حَائِض وطامِث وطَالِق" من المذهب الكوفي قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2] فهذا وصف يختصُّ به الإناث، وقد جاء بالتاء.