لأن الإحسانَ أعمُّ من الرحمة، والأعمُّ لا يستلزمُ الأخصَّ، وهم لم يدَّعوا ذلك فلا يلزمهم، وأيضًا فإن الإحسان قد يقالُ: إنه يستلزمُ الرحمةَ، وما فعلى المَلِكُ المذكور فليس بإحسان في الحقيقة، وإن كانت صورتُهُ صورةَ الإحسان، وبالجملة؛ فالعنتُ والمناكدةُ على هذا الاعتراض أَبْيَنُ من أن (ق/ 213 ب) يتُكَلَّفَ معه رَدّهُ وإبْطَالُه.
فصل
المسلك الثالث: أن (قريبًا) في الآية من باب حذف المُضَاف وإقامة المُضَاف إليه مقامَه، مع الالتفات إلى المحذوف، فكأنه قال: "إنَّ مكانَ رحمة الله (?) قريبٌ من المُحسنينَ"، ثم حذفَ المكان وأعطى الرحمة إعرابَهُ وتذكيرَهُ. ومن ذلك قولٌ الشاعر -حسَّان (?) -.
يَسْقُون من وَرَدَ البَرِيصَ عليهمُ ... برَدَىَ يُصَفَّقُ بالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ
فقال: يُصَفَّقُ بالياء، وبَرَدَى: مؤنَث؛ لأنه أراد ماءَ بردى، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أخذ بيديه ذهبًا وحريرًا فقال-: "هذان حَرَامٌ على ذكورِ أمتِي" (?)، فقال: "حَرَامٌ" بالإفراد والمخبَرُ عنه مثنَّى، كأنه قال: "استعمالُ هذينِ حَرَامٌ"، وهذا المسلك ضعيفٌ جدًّا؛ لأن حذفَ المُضاف وإقامة المضاف إليه مقامَه، يُسوغُ ادِّعاؤه مطلقًا، وإلا لالتبسَ الخطاب وفَسَد التَّفاهم وتعطَّلَتِ الأدلَّةُ، إذ ما من لفظِ