وقد روى سفيان، عن منصور، عن ذر، عن يُسَيْع الكِنْدي، عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر: "إنَّ الدُّعَاءَ هُوَ العِبادةُ"، ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} [غافر: 60] رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وأما قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج: 73]، وقوله: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} [النساء: 117] , وقوله: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ} [فصلت: 48] وكلُّ موضعٍ ذُكِرَ فيه دُعاء المشركين لأصنامِهم وآلهتِهم، فالمُرادُ به دعاءُ العبادةَ المتضمِّن دعاءَ المسألة، فهو في دعاء العبادة أظهرُ لوجوه ثلاثة:
أحدها: أنهم قالوا: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، فاعترفوا بأن دعاءهم إيَّاهم هو عبادتهم لهم.
الثاني: أن الله تعالى فَسَّر هذا الدُّعاء في مواضعَ أُخَرَ بأنه العبادةُ، كقوله: {وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93)} [الشعراء: 92 - 93]، وقوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98]، وقوله: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (?) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)} [الكافرون: 1 - 2]، وهو كثير في القرآن، فدعاؤُهم لآلهتهم هو عبادتُهم لها.