وفي موضع آخر: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)} (?) [الأعراف: 200]، وقد تقدم أن السمع المراد به هاهنا سمع الإجابة لا مجرد السمع العام.

وتأمل سرَّ القرآن الكريم كيف أكَّدَ الوصفَ بالسميع العليم بذكر صيغة "هو": الدَّالِّ على تأكيد النسبة واختصاصها، وعرَّفْ الوصف بالألف واللام في سورة (حم) لاقتضاء المقام لهذا التأكيد، وتركَه في سورة (الأعراف) لاستغناء المقام عنه، فإن الأمر بالاستعاذة في سورة (حم) وقع بعد الأمر بأشقِّ الأشياءِ على النفس، وهو مقابلةُ إساءة المسيءِ بالإحسان إليه، وهذا أمرٌ لا يقدرُ عليه إلا الصابرونَ، ولا يُلَقَّاه إلا ذو حَظٍّ عظيم، كما قال الله تعالى.

والشيطانُ لا يدعُ العبدَ يفعل هذا، بل يُرِيه أن هذا ذُلٌّ وعَجْزٌ، ويسلِّطُ عليه عَدُوَّهُ، فيدعوه إلى الانتقام ويُزَيِّنُه له، فإن عَجَزَ عنه دعاه إلى الإعراض عنه، وأن لا يسيءَ إليه ولا يُحْسِنَ، فلا يُؤثِر الإحسانَ إلى المسيء إلا من خالفَه وآثَر الله تعالى وما عندَهُ على حظِّه العاجل، فكان المقام مَقام تأكيد وتحريض، فقال فِيه: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)}.

وأما في سورة (الأعراف) فإنه أمره أن يُعْرِضَ عن الجاهلين، وليسَ فيها الأمر بمقابلة إساءتهم بالإحسان بل بالإعراض، وهذا سهلٌ على النُّفوس غير مُسْتعصٍ (?) عليها، فليس حرصُ الشيطان وسعيُه في دفع هذا كحرصه على دفع المقابلة بالإحسان، فقال: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015