يَتكَلَّمَ به، قال: "الحمْدُ للهِ الذي رَدَّ كَيْدَهُ إلى الوَسْوَسَةِ" (?).
ومن وسوسته أيضًا: أن يَشغل (?) القلب بحديثه حتى يُنسِيَهُ ما يريدُ أن يفعلَه، ولهذا يضافُ النسيانُ إليه إضافتَه إلى سَبَبه، قال تعالى حكاية عن صاحب موسى إنه قال: {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [الكهف: 63].
وتأمَّلْ حكمةَ القرآن الكريم وجلالَتَهُ كيف أوْقَعَ الاستعاذةَ من شَرِّ الشيطان الموصوف بأنه الوسواس الخنَّاس، الذي يوسوسُ في صدور الناس، ولم يقلْ: من شرِّ وسوسته؛ لتعمَّ الاستعاذةُ شرَّه جميعَه، فإن قوله: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)} [الناس: 4]، يعم كلَّ شره، ووصفه بأعظم صفاته وأشدِّها شرًّا، وأقواها تأثيرًا، وأعمِّها فسادًا، وهى الوسوسة التي هى مبادئُ الإرادة، فإن القلبَ يكونُ فارغًا من الشر والمعصية، فيوسوسُ إليه، ويُخْطِرُ الذنبَ بباله، فيصوِّرُهُ لنفسه ويُمَنِّيه، ويُشَهِّيه فيصير شهوة، ويُزَيِّنُها له ويُحَسِّنُها ويُخَيِّلُها له في خيالٍ تميلُ نفسه إليه، فيصيرُ إرادة ثم لا يزالُ يُمَثِّلُ ويُخَيِّلُ، ويُمَنِّي ويُشَهِّي، ويُنَسِّي علمه بضررها، ويَطْوي عنه سُوءَ عاقبتها، فيحُوْلُ بينه وبين مطالعته، فلا يرى إلا صورةَ المعصية والتذاذَه بها فقط وينسى ما وراء ذلك، فتصير الإرادةُ عزيمةً جازمةً، فيشتدُّ الحرصُ عليها من القلب، فيبعثُ الجنودَ في الطَّلَب، فيبعثُ الشيطانُ معهم مَدَدًا لهم وعونًا، فإن فَتَروا حرَّكهم، وإن وَنَوْا (?) أزعجهم، كما قال تعالى: