وعلمتْ أن نصرَه لها خيرٌ من انتصارها هي لنفسها، فوثِقتْ بالله وسكَنَتْ إليه واطمأنَّتْ به، وعلِمَتْ أن ضمانَه حقٌّ ووعده صدقٌ، وأنه لا أوفى بعهده من الله، ولا أصدق منه قيلًا، فعلمت أن نصرَه لها أقوى وأثبتُ وأدومُ وأعظمُ فائدة من نصرها هي لنفسها، أو نصرِ مخلوقٍ مثلها لها، ولا يقوى على هذا إلا بـ:

السبب السادس: وهو الإقبالُ على الله والإخلاصُ له وجعلُ محبَّته وتَرَضِّيه والإنابة إليه في محلِّ خواطر نفسه وأمانيها، تدبُّ فيها دبيبَ تلك الخواطر شيئًا فشيئًا حتى يقهرَها ويغمرَها ويُذْهِبَها بالكلية، فتبقى خواطرُه وهواجسُه وأمانِيُّهُ كلُّها في محابِّ الرَّبِّ والتقرُّب إليه، وتملُّقه وتَرَضِّيه واستعطافه وذكره، كما يذكر المحبُّ التَّامُّ المحبة (?) لمحبوبه المحسن إليه الذي قد امتلأتْ جوانحُهُ من حبه، فلا يستطيعُ قلبُه انصرافًا عن ذكره، ولا روحُه انصرافًا عن محبَّتِهِ، فإذا صار كذلك فكيف يرضى لنفسه أن يجعل بيتَ أفكاره وقلبه معمورًا بالفكر في حاسده والباغي عليه، والطريقِ إلى الانتقام منه والتدبير عليه؟ هذا ما لا يتَّسَعُ له إلا قلبٌ خرابٌ لم تسكنْ فيه محبَّة الله وإجلالُه وطلبُ مرضاته؛ بل إذا مسَّه طيفٌ من ذلك واجتاز ببابه (?) من خارج ناداه حرس قلبه: إيَّاك وحِمى المَلِك، اذهب إلى بيوت الخانات التي كل من جاء حَلَّ فيها ونزل بها، مالَك ولبيت السلطان الذي أقام عليه اليَزَكَ (?) وأدار عليه الحرس وأحاطه بالسور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015