ولا تستطِلْ هذا البَسْطَ، فما أحوجَ القلوب] إلى معرفته وتعقُّله، ونزولها منه منازلَها في الدنيا لتنزل في جوار ربها في الآخرة مع الذين أنعم الله تعالى عليهم من النَّبييِّن والصِّدِّيقين، والشهداء والصالحين، وحَسُنَ أولئك رفيقًا.
فصل
إذا عُرِفَ هذا عُرِف معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ والخَيْرُ في يدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِليْكَ" (?)، وأنَّ معناه أجلُّ وأعظم من قول من قال: "والشَرُّ لا يُتَقرَّبُ به إليك"، وقول من قال: "والشرُّ لا يصعَدُ إليكَ" وأن هذا الذي قالوه إنما يتضمَّن تنزيهَه: عن صعود الشرِّ إليه والتقرب به إليه، لا يتضمَّن تنزيهَهُ في ذاته وصفاته وأفعاله عن الشَّرِّ، بخلاف لفظ المعصوم الصادق المصدَّق (?)، فإنه يتضمَّنُ تنزيهَه في ذاته تبارك وتعالى عن نسبة الشَّرِّ إليه بوجهٍ ما، لا في صفاتِه، ولا في أفعالِه، ولا في أسمائه، وإن دخل في مخلوقاته، كقوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)} [الفلق: 1 - 2].
وتأملْ طريقَة القرآن في إضافة الشَّرِّ تارة إلى سببه ومن قام به، كقوله: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)} [البقرة: 254] وقوله: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108)} [المائدة: 108]، وقوله: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} [النساء: 160]، وقوله: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ} [الأنعام: 146] وقوله: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76)} [الزخرف: 76]، وهو فِي القرآن أكثر من أن يذكر هاهنا عشر معشارِه، وإنما المقصودُ التمثيلُ.