وسر المسألة: أن المعرفة لتمييز ما اختلط فيه المعروف بغيره فاشتبه، فالمعرفة تمييز له وتعيين، ومن هذا قوله تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146] فإنهم كان عندهم من صفته قبل أن يروه ما طابق شخصه عند رؤيته، وجاء: "كما يعرفون أبناءهم" من باب ازدواج الكلام وتشبيه أحد اليقينين بالآخر، فتأمله، وقد بسطنا هذا في "كتاب التحفة المكية"، وذُكِر فيها من الأسرار (ظ/86 أ) والفوائد ما لا يكاد يشتمل عليه مصنَّف.
وأما ما زعموا من قولهم: إن "علمت" قد يكون بمعنى "عرفتُ" واستشهادهم بنحو قوله تعالى: {لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: 101] وبقوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60] فالذي دعاهم إلى ذلك: أنهم رأوا "علمت" قد تعدت إلى مفعول واحد، وهذا (?) هو حقيقة العرفان (?) = فاستشهاد ظاهر، على أنه قد قال بعض الناس (?): إن تعدِّي فعل العلم في هذه الآيات وأمثالها إلى مفعول واحدٍ، لا يخرجها عن كونها علمًا على الحقيقة، فإنه لا تتعدى إلى مفعول واحد على نحو تعدِّي "عرفت"، ولكن على (?) جهة الحذف والاختصار، فقوله: {لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} لا تنفي عنه معرفة أعيانهم وأسمائهم، وإنما تنفي عنه العلم بعدوانهم ونفاقهم، وما تقدَّم من الكلام يدلك على ذلك. وكذلك قوله: {وَآخَرِينَ مِنْ