باب بدل الاشتمال، والسؤال إنما وقع عن القتال فيه، فلِمَ قدِّم الشهر (ق/106 ب) وقد قلتم: إنهم يقدمون ما هم ببيانه أهم وهم به أَعْنَى؟ .
قيل: السؤال لم يقع منهم إلا بعد وقوع القتال في الشهر الحرام، وتَشْنيع أعدائهم عليهم بانتهاكه وانتهاك حرمته، فكان اغتمامُهم واهتمامهم بالشهر فوق اهتمامهم بالقتال، فالسؤال إنما وقع من أجل حُرمة الشهر فلذلك قُدِّم في الذِّكر، وكان تقديمه مطابقاً لما ذكرنا من القاعدة.
فإن قيل: فما الفائدة في إعادة ذكر القتال بلفظ الظاهر، وهلاَّ اكتفى بضميره، فقال: "قل: هو كبير"، وأنت إذا قلتَ: سألته عن زيد أهو في الدار؛ كان أوجزَ من أن تقول: "أزيد في الدار".
قيل: في إعادته بلفظ الظاهر نكْتة بديعة، وهي تعليِق الحكم الخبري باسم القتال فيه عمومًا، ولو أتى بالمضمر فقال: "هو كبير"، لتوهم اختصاص الحكم يذلك القتال المسؤول عنه، وليس الأمر كذلك، وإنما هو عام في كلِّ قتال وقعَ في شهرٍ حَرَام.
ونظير هذه الفائدة: قوله - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن الوضوء بماء البحر -فقال: "هُوَ الطَّهوْرُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ" (?) فأعاد لفظ "الماء" ولم يقتصر على قوله: "نعم توضؤوا به" لئلاَّ يتوهم اختصاص الحكم بالسائلين لضرب من ضروب الاختصاص، فعدل عن قوله: "نعم توضؤوا" (?)