والليلة لا يقوم غيره مقامه، ومن ثَمَّ (?) يعلم تعين الفاتحة في الصلاة، وأنها ليس منها عوض يقوم مقامها (?).
فصل
وأما المسألة الخامسة: وهي أنه قال: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7]، ولم يقل: المُنْعَم عليهم، كما قال: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} فجوابها وجواب المسألة السادسة واحد، وفيه فوائد عديدة:
أحدها: أن هذا جاء على الطريقة المعهودة في القرآن، وهي: أن أفعال الإحسان والرحمة والجود تضاف إلى الله سبحانه وتعالى، فيَذْكر فاعلَها منسوبةً إليه ولا يَبْني الفعلَ معها للمفعول، فإذا جاء إلى أفعال العدل والجزاء والعقوبة: حَذَف الفاعل وبَنَى الفعلَ معها للمفعول = أدبًا في الخطاب، وإضافةً إلى الله أشرف قِسْمَي أفعاله، فمنه هذه الآية؛ فإنه لما ذكر النعمةَ فأضافها إليه ولم يحذف فاعلها، ولما ذكر الغضبَ حذفَ الفاعل وبَنَى الفعل للمفعول، فقال: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}، وقال في الإحسان: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}.
ونظيره قول إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)} [الشعراء: 78 - 80] فنسب الخلق والهداية والإحسان بالطعام والسقي إلى الله، ولما جاء إلى ذكر المرض، قال: {وَإِذَا مَرِضْتُ} ولم يقل: أمرضني، وقال: {فَهُوَ يَشْفِينِ (80)}، ومنه قوله تعالى حكايةً عن مؤمني الجن: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ