قَانِتُونَ} [البقرة: 116]، بل هو تحقيق له وشاهد، لأن القنوت هنا هو العبودية العامة التي تشترك فيها أهل السموات والأرض لا يختص بها بعضهم عن بعض، ولا يختص بزمان دون زمان، وهي عبودية القهر. فالقنوت هنا قنوت قهر وذل لا قنوت طاعة ومحبة، وهذا بخلاف قوله تعالى {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] فإنه أفرد لما لم يجتمعوا في الفناء. ونظيره قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " (?)، فإن الله يسأل كلَّ راعٍ بمفرده.
ومما جاء مجموعًا لاجتماع الخبر قوله تعالى: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33] وما أفرد لعدم اجتماع الخبر قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لأيْكَةِ أُولَئِكَ الأَحْزَابُ إِنْ كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ} [ص: 12 - 14] فأفرد لمَّا لم يجتمعوا في التكذيب.
ونظيره في سورة ق: {كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدٍ} [ق: 14] وتأمَّل كيف كشف قناعَ هذا المعنى وأوضحه كلَّ الإيضاح بقوله تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم: 95]، كيف أفرد "آتيه" لما كان المقصود الإشارة إلى أنهم -وإن أتوه جميعًا- فكلُّ واحد منهم منفرد عن كل فريق من صاحب أو قريب أو رفيق، بل هو وحده منفرد، فكأنه إنما أتاه وحدَه، وإن أتاه مع غيره؛ لانقطاع تبعيته للغير وانفراده بشأن نفسه، فهذا عندي أحسن من الفرق بالإضافة وقطعها. والفرقُ بذلك فَرْقُ السُّهيليِّ، فتأمل الفرقين، واستَقْرِ الأمثلة والشواهدَ.