الاستثناء بمنقطع، بل هو مُتَّصِلٌ على بابه، وإنما أوجب لهم أن حكموا بانقطاعه حيث ظنوا أن الحجة هاهنا المراد بها الحجة الصحيحة الحق، والحجة في كتاب الله يُراد بها نوعان:
أحدهما: الحُجَّة الحق الصحيحة (?)، كقوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام: 83]، وقوله: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام: 149].
ويراد بها: مطلق الاحتجاج بحق أو بباطل، كقوله: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ} [آل عمران: 20]، وقوله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)} [الجاثية: 25]، وقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} [البقرة: 258]، وقوله: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الشورى: 16].
وإذا كانت الحجَّة اسمًا لما يحتج به من الحق أو باطلٍ، صحَّ استثناء حجة الظالمين من قوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [البقرة: 150]، وهذا في غاية التحقيق، والمعنى: أن الظالمين يحتجون عليك بالحُجَج الباطلة الداحضة فلا تخشوهم واخشوني.
* ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)} [البقرة: 170] فهذه مناظرة حكاها الله بين المسلمين والكفار، فإن الكفار لجأوا إلى تقليد الآباء، وظنوا أنه منجيهم لإحسانهم ظنَّهم بهم، فحكم الله بينهم بقوله: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)} [البقرة: 170] وفى موضع آخر: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا