من أي جهة جئت إلى الصلاة وخرجت إليها، فاستقبل الكعبة، كنت متسدبرا بيت المقدس أو لم تكن، لأنه كان بمكة يتحرى في استقباله بيت المقدس أن تكون الكعبة بين يديه.

قال: تدبر قوله: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ} [البقرة: 149]، وقال لأمته: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 150]، ولم يقل: حيث ما خرجتم؟ وذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان إمام المسلمين، فكان يخرج إليهم في كل صلاة ليصلي بهم، وكان ذلك واجبا عليه، إذ كان الإمام المقتدي به، فأفاد ذكر الخروج في خاصته هذا المعنى، ولم يكن حكم غيره هكذا يقتضي الخروج، ولا سيما النساء ومن لا جماعة عليه.

قلت (?): ويظهر في هذا معنى آخر، وهو أن قوله: {وَحَيْثُ مَا

كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 150]، خطاب عام له - صلى الله عليه وسلم - ولأمته، يقتضي أمرهم بالتوجه إلى المسجد الحرام في أي موضع كانوا من الأرض.

وقوله: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 150] خطاب بصيغة الإفراد، والمراد هو الأمة، كقوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 1] ونظائره، وهو يفيد الأمر باستقبالها من اي جهة ومكان خرج منه.

وقوله: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 150] يفيد الأمر باستقبالها في أي موضع استقر فيه، وهو -تعالى- لم يقيد الخروج (?) بغاية، بل أطلق غايته كما عمم مبدأه، فمن حيث خرج، إلى أي مخرج كان من صلاة أو غزو أو حج أو غير ذلك، فهو مأمور باستقبال المسجد الحرام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015