على أنها أولى بالصَّواب مما دعوتم إليه من اليهودِيَّةِ والنصرانيَّةِ؛ لأنه وَصَفَ صاحبَ المِلَّةِ بأنه حنيفٌ غيرُ مُشْرِكٍ، ومن كانتْ (?) مِلَّتَهُ الحنيفيةُ والتوحيدُ، فهو أولى بأن يتبّع ممن مِلَّتُهُ اليهوديةُ والنصرانيَّةُ، فإن الحنيفيةَ والتوحيدَ هي دينُ جميع الأنبياءِ، الذي لا يقبلُ اللهُ من أحدٍ دينًا سواه، وهو الفطرةُ التي فَطرَ اللهُ عليها عبادهُ، فمن كان عليها فهو المهتدي؛ لأنَّ من كان يهوديًّا أو نصرانيًّا فإن الحنيفيةَ تضمَّنُ الإقبالَ على الله بالعبادة والإجلالِ والتعظيمِ والمحبَّةِ والذُلِّ.
والتوحيدُ يضمَّنُ إفرادَه بهذا الإقبالِ دونَ غيرِه، فيُعْبَدُ وحدَهُ، ويحَب وحدَهُ، ويُطاعُ وحدَه، لا يُجْعَل معه إله آخر، فمن أولى بالهداية؛ صاحبُ هذه المِلَّةِ أو مِلَّةُ اليهوديَّة والنصرانيَّة؟ ! .
ولا يبقى بعد هذا للخصومِ إلَّا سؤالٌ واحدٌ، وهو أن يقولوا (ظ/259 ب): فنحن على ملَّتِهِ أيضًا لم نخرجْ عنها، وإبراهيمُ وبنُوْه كانوا هودًا أو نصارى، فأُجيبوا عن هذا السُّؤال: بأنهم كاذبون فيه، وأن الله تعالى قد عَلِمَ (?) أنه لم يكنْ يهودياً ولا نصرانيًا، فقال تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ (ق/ 374 أ) وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)} [البقرة: 140]، ، وقرَّر هذا الجوابَ في سورة (آل عمران) بقوله: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}.