فهكذا تكون الفروقُ المؤثِّرَة في الأحكام لا الفروقُ المذهبيةُ التي إنما يفيدُ ضابط المذهب.
وكذلك قوله في اللَّحم الذي تُصُدِّق به على بَرِيرَةَ: "هُوَ عَلَيْها صَدَقَةٌ، ولنا هَدِيةٌ" (?)، ففرَّقَ في الذاتِ الواحدةِ، وجعل لها حكمينِ مختلفينِ باختلافِ الجهتين؛ إذ جهةُ الصَدَقةِ عليها غير جهة الهديَّة منها.
وكذلك الرجلانِ اللذانِ عَطَسا عند النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فشمَّتَ أحَدَهما ولم (ق/ 361 أ)، يُشَمِّتِ الآخَر، فلما سُئِلَ عن الفرق أجاب: "بأن هذا حَمِدَ الله، والآخر لم يَحَمدْهُ" (?)، فدلَّ على أن تفريقَهُ في الأحكام لافتراقها في العلل المؤثِّرَةِ فيها.
وتأمَّلْ قوله - صلى الله عليه وسلم - في المَيْتَةِ: "إنما حَرُمَ منها أَكْلها" (?)، كيف تضمَنَ التَّفْرِقَةَ بينَ أكلِ اللَّحمِ واستعمال الجلدِ، وبيَّنَ أن النصَّ إنما تناولَ تحريمَ الأكلِ، وهدا تحتَهُ قاعدتانِ عظيمتانِ:
إحداهما. بيانُ أنَّ التَّحليلَ والتحريمَ المضافانِ إلى الأعيانِ غيرُ مجمل، وأنه (?) مُراد به من كل عينٍ ما هي مهيَّأة له. وفي ذلك الرَّدُ على من زَعَمَ أن ذلك مُتضمِّنٌ لمضمرٍ عامٍّ، وعلى من زعم أنه مجملٌ.