بدلك الإسفارَ في نفسِ الصلاة، فيكونُ قد ابتدأها بعدَما طَلَعَ الفجرُ، وأسْفَرَ بها بتطويلِ القراءة، أبو بكر قرأ بهم (البقرة) في الفجر، وقال: "لو طَلَعَتْ ما وَجَدَتْنا غافِلينَ" (?).
قلت: للناس في هذا الحديث أربع (ظ/241 أ) طرق:
أحدها: تضعيفُه، وهي طريقة أبي حفص وغيره.
الثانية: حملُه على الإسفار بها في ليالي الغَيْم واللَّيالي المقمرَةِ، خشيَةَ الصَّلاةِ قبل الوقتِ.
الثالثة: أن الإسفارَ المأمورَ (ق/ 345 ب) به: الإسفارُ بها استدامةً وتطويلًا لها لا ابتداءً، وهذه أصحُّ الطُرُق، ولا يجوزُ حملُ الحديث على غيرها؛ إذ من المحال أن يكونَ تأخيرُها إلى وقتِ الإسفار أفضلَ وأعظَمَ للأجر، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يواظِبُ على خلافِه هو وخلفاؤه الرَّاشدون من بعدِهِ.
وتفسيرُ هذا الحديث يُؤخَذ من فعلِهِ، وفعلِ خلفائِهِ وأصحابهِ، فإنهم كانوا يُسْفِرونَ باستدامَتِها لا بابتدائِها، وهو حقيقةُ اللَّفظِ، فإنَّ قوِله: "أسْفِروا بها"، الباء للمصاحَبَةِ، أىِ: أطيلوها إلى وقتِ الإسفار، وفهْم هذا المعنى من اللفظ أقوى من فهم معنى آخر، والشروع فيها إلى وقت الإسفار، ولو قُدِّر أن اللَّفظَ يحتمل المعنيينِ احتمالًا متساويًا (?) لم يَجُزْ حملُه على المعنى المخالِفِ لعملِهِ وعمل خلفائِهِ الراشدينَ، والله أعلم.