بدائع الفوائد (صفحة 929)

الله فهم كما وصفهم الله بأنهم {قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} .

الحجة الخامسة: وأما منافاة عموم علمه تعالى للولد فيحتاج إلى فهم خاص وتقريره أن يقال لو كان له ولد لعلمه لأنه بكل شيء عليم وهو تعالى لا يعلم له ولد فيستحيل أن يكون له ولد لا يعلمه وهذا استدلال بنفي علمه للشيء على نفيه في نفسه إذ لو كان لعلمه فحيث لم يعلمه فهو غير كائن ونظير هذا قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} الآية فهذا نفي لما ادعوه من الشفعاء بنفي علم الرب تعالى بهم المستلزم لنفي المعلوم ولا يمكن أعداء الله المكابرة وأن يقولوا قد علم الله وجود ذلك لأنه تعالى إنما يعلم وجود ما أوجده وكونه ويعلم أنه سيوجد ما يريد إيجاده فهو يعلم نفسه وصفاته ويعلم مخلوقاته التي دخلت في الوجود وانقطعت والتي دخلت في الوجود وبقيت والتي لم توجد بعد وأما شيء آخر غير مخلوق له ولا مربوب فالرب تعالى لا يعلمه لأنه مستحيل في نفسه فهو يعلمه مستحيلا لا يعلمه واقعا إذ لو علمه واقعا لكان العلم به عين الجهل وذلك من أعظم المحال.

فهذه حجج الرب تبارك وتعالى على بطلان ما نسبه إليه أعداؤه والمفترون عليه فوازن بينها وبين حجج المتكلمين الطويلة العريضة التي هي كالضريع الذي لا يسمن ولا يغني من جوع فإذا وازنت بينهما ظهرت لك المفاضلة إن كنت بصيرا ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا فالحمد لله الذي أغنى عباده المؤمنين بكتابه وما أودعه من حججه وببيانه عن شقاشق المتكلمين وهذيانات المتهوكين فلقد عظمت نعمة الله تعالى على عبد أغناه بفهم كتابه عن الفقر إلى غيره {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} .

فصل:

ومن ذلك قوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} فأجيبوا عن هذه الدعوى بقوله: {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وهذا الجواب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015