بدائع الفوائد (صفحة 921)

وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} والمادة الحق يمكن إبرازها في الصورة المتعددة وفي أي قالب أفرغت وصورة أبرزت ظهرت صحيحة وهذا شأن مواد براهين القرآن في أي صورة أبرزتها ظهرت في غاية الصحة والبيان والحمد لله المان بالهدى على عباده المؤمنين.

فصل:

وتأمل قوله تعالى في هذه الآية: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} كيف تجد تحته برهانا عظيما على صدقه وهو مجيء الرسول الثاني بما يطابق ما جاء به الرسول الأول ويصدقه مع تباعد زمانها وشهادة أعدائه وإقرارهم له بأنه لم يتلقه من بشر ولهذا كانوا يمتحنونه بأشياء يعلمون أنه لا يخبر بها إلا بني أو من أخذ عنه وهم يعلمون أنه لم يأخذ عن أحد البتة ولو كان ذلك لوجد أعداؤه السبيل إلى الطعن عليه ولعارضوه بمثل ما جاء به إذ من الممكن أن لو كان ما جاء به مأخوذا عن بشر أن يأخذوهم عن ملك أو عن نظيره فيعارضوا ما جاء به والمقصود أن مطابقة ما جاء به لما أخبر به الرسول الأول من غير مواطأة ولا تشاعر ولا تلقي منه ولا ممن أخذ عنه دليل قاطع على صدق الرسولين معا.

ونظير هذا أن يشهد رجل بشهادة فيخبر فيها بما يقطع به أنه صادق في شهادته صدقا لا يتطرق إليه شبهة فيجيء آخر من بلاد أخرى لم يجتمع بالأول ولم يتواطأ معه فيخبر بنظير تلك الشهادة سواء مع القطع بأنه لم يجتمع به ولا تلقاها عن أحد اجتمع به فهذا يكفى في صدقه إذا تجرد الأخبار فكيف إذا اقترن بأدلة يقطع بها بأنه صادق أعظم من الأدلة التي اقترنت بخبر الأول فيكفي في العلم بصدق الثاني مطابقة خبره لخبر الأول فكيف إذا بشر به الأول فكيف إذا أقترن بالثاني من البراهين الدالة على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015