الجوارح تبع ومكملة ومتممة وأن النية بمنزلة الروح والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء الذي إذا فارق الروح فموات وكذلك العمل إذا لم تصحبه النية فحركة عابث. فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح إذ هي أصلها وأحكام الجوارح متفرعة عليها. وكذلك أيضا لا يتحقق الكلام في المسألة إلا بعد معرفة حقيقة النية وهل هي من جنس المعلوم والتصورات أو من جنس الإرادات والعزوم أو حقيقتها مركبة من الأمرين وأما من قبيل انبساطها وانقسامها على حروف معينة لكل حرف منها جزء من أجزاء النية فلم يحصل معنى النية فضلا عن أن يتمكن من رد قول منازعه في اعتبارها.
وكذلك من ظن أنها لا تتحقق إلا بجريان ألفاظ من اللسان يخبر بها عنها لم يحصل أيضا معناها فيجب أن نعلم حقيقتها أولا ومنزلتها من أعمال القلوب وأنه مستحيل عليها الانبساط والانقسام وأنه لا مدخل للألفاظ البتة ويفرق بين النية المتعلقة بالمعبود التي هي من لوازم الإسلام وموجباته بل هي روحه وحقيقته التي لا يقبل الله من عامل عملا بدونها البتة وبين النية المتعلقة بنفس العمل التي وقع فيها النزاع في بعض المواضع ثم يعرف ارتباطها بالعمل وكيف قصد به تمييز العبادة عن العادة إذ كانا في الصورة واحدا وإنما يتميزان بالنية فإذا عدمت النية كان العمل عاديا لا عباديا والعادات لا يتقرب بها إلى بارىء البريات وفاطر المخلوقات فإذا عري العمل عن النية كان كالأكل والشرب والنوم الحيواني البهيمي الذي لا يكون عبادة بوجه فضلا أن يؤمر به ويرتب عليه الثواب والعقاب والمدح والذم وما كان هذا سبيله لم يكن من المشروع للتقرب به إلى الرب تبارك وتعالى ولذلك يقصد بها تمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض فيميز فرضها عن نفلها ومراتبها بعضها عن بعض وهذه أمور لا تحقق لها إلا بالنية ولا قوام لها بدونها البتة وهي مرادة للشارع بل هي وظائف العبودية فكيف يؤدي وظائف العبودية من لا يخطر بباله التمييز بين العبادات والعادات ولا التمييز بين مراتب تلك الوظائف ومنازلها