الواجب قد يسقط لغير الواجب بك لغير المستحب فإن شطر الصلاة يسقط لسفر الفرجة والتجارة ويسقط غسل الرجلين لأجل لبس الخف وغايته أن يكون مباحا.
وهذا الاعتراض فاسد فإن فرض المسافر ركعتين قلم يسقط الواجب لغير الواجب وأيضا فإنه لا محذور في سقوط الواجب لأجل المباح وليس الكلام في ذلك وإنما المستحيل أن يراعى في العبادة أمر مستحب يتضمن فوات الواجب فهذا هو الذي لا عهد لنا في الشريعة بمثله البتة، وبذلك خرج الجواب عن سقوط غسل الرجلين لأجل الخف.
واستدل على وجوبها بان الله تعالى أمر بها في صلاة الخوف التي هي محل التخفيف وسقوط ما لا يسقط في غيرها واحتمال ما لا يحتمل في غيرها فما الظن بصلاة الآمن المقيم.
فاعترض على ذلك بأن المقصود الاجتماع في صلاة الخوف فقصد اجتماع المسلمين وإظهار طاعتهم وتعظيم شعار دينهم ولا سيما حيث كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان المقصود أن يظهروا للعدو طاعة المسلمين له وتعظيمهم لشأنه حتى أنهم في حال الخوف الذي لا يبقى أحد مع أحد يتبعونه ولا يتفرقون عنه ولا يفارقونه بحال وهذا كما جرى لهم في عمرة القضاء معه حتى قال عروة بن مسعود: "لقد وفدت على الملوك كسرى وقيصر فلم أر ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم محمدا أصحابه" والذي يدل على هذا أنا رأينا الجماعة تسقط عند المطر الذي يبل النعال فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي "ألا صلوا في رحالكم " والجمعة تسقط بخشية فوات الخبز الذي في التنور مع كون الجماعة شرطا فيها وتسقط خشية مصادفة غريم يؤذيه ومعلوم أن عذر الحرب ومواقفة الكفار أعظم من هذا كله ومع هذا فأقيم شعارها في تلك الحال فدل على أن المقصود ما ذكرنا.
قلت ونحن لا ننكر أن هذا مقصود أيضا مضموم إلى مقصود الجماعة فلا منافاة بينه وبين وجوب الجماعة بل إذا كان هذا أمرا مطلوبا فهو من أدل الدلائل على وجوب الجماعة في تلك الحال ومع أن هذا مقصود أيضا في اجتماع المسلمين في الصلاة وراء إمامهم وأسباب العبادات التي شرعت