بدائع الفوائد (صفحة 520)

صورة الإحسان وبالجملة فالعنت والمناكدة على هذا الاعتراض أبين من أن يتكلف معه رده وإبطاله.

فصل: المسلك الثالث أن (قريبا) في الآية من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه مع الالتفات إلى المحذوف فكأنه قال إن مكان الرحمة قريب من المحسنين ثم حذف المكان وأعطى الرحمة إعرابه وتذكيره ومن ذلك قول الشاعر حسان:

يسقون من ورد البريص عليهم ... بردي يصفق بالرحيف السلسل

فقال يصفق بالياء وبردى هي مؤنث لأنه أراد ماء بردى ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخذ بيديه ذهبا وحريرا فقال: " هذان حرام على ذكور أمتي" فقال حرام بالإفراد والمخبر عنه مثنى كأنه قال استعمال هذين حرام وهذا المسلك ضعيف جدا لأن حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه لا يسوغ ادعاؤه مطلقا وإلا لالتبس الخطاب وفسد التفاهم وتعطلت الأدلة إذ ما من لفظ أمر أو نهي أو خبر متضمن مأمورا به ومنهيا عنه ومخبرا إلا ويمكن على هذا أن يقدر له لفظ مضاف يخرجه عن تعلق الأمر والنهي والخبرية فيقول الملحد في قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} أي معرفة حج البيت و {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} أي معرفة الصيام وإذا فتح هذا الباب فسد التخاطب وتعطلت الأدلة وإنما يضمر المضاف حيث يتعين ولا يصح الكلام إلا بتقديره للضرورة كما إذا قيل أكلت الشاة فإن المفهوم من ذلك أكلت لحمها فحذف المضاف لا يلبس وكذلك إذا قلت أكل فلان كبد فلان إذا أكل ماله فإن المفهوم أكل ثمرة كبده فحذف المضاف هنا لا يلبس ونظائره كثيرة وليس منه {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} وإن كان أكثر الأصوليين يمثلون به فإن القرية اسم للسكان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015