والنجاة إنما هي بإخلاص العبادة لا بمجرد السؤال والطلب.
وكذلك قول الفتية أصحاب الكهف {رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرض لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً} أي لن نعبد غيره وكذلك قوله تعالى: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} .
وأما قوله تعالى: {وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ} فهذا من دعاء المسألة يبكتهم الله عز وجل ويخزيهم يوم القيامة بإراءتهم أن شركاءهم لا يستجيبون لدعوتهم وليس المراد اعبدوهم. وهو نظير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ} وهذا التقرير نافع في مسألة الصلاة وأنها هل نقلت عن مسماها في اللغة فصارت حقيقة شرعية منقولة أو استعملت في هذه العبادة مجازا للعلاقة بينها وبين المسمى اللغوي أو هي باقية على الوضع اللغوي وضم إليها أركان وشرائط وعلى ما قررناه ولا حاجة إلى شيء عبادة وثناء أو دعاء طلب ومسألة وهو في الحالين داع فما خرجت الصلاة عن حقيقة الدعاء فتأمله.
إذا عرفت هذا فقوله: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} فإنه يتناول نوعي الدعاء لكنه ظاهر في دعاء المسألة متضمن دعاء العبادة ولهذا أمر بإخفائه وإسراره قال الحسن: "بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم وذلك أن الله تعالى يقول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} وأن الله تعالى ذكر عبدا صالحا ورضي بفعله فقال: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً} ".
وفي إخفاء الدعاء فوائد عديدة:
أحدها: أنه أعظم إيمانا لأن صاحبه يعلم أن الله تعالى يسمع دعاءه الخفي وليس كالذي قال أن الله يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا.
ثانيها: أنه أعظم في الأدب والتعظيم ولهذا لا تخاطب الملوك ولا تسأل برفع الأصوات وإنما تخفض عندهم الأصوات ويخف عندهم الكلام بمقدار ما يسمعونه ومن رفع وصوته لديهم مقتوه ولله المثل الأعلى فإذا كان يسمع الدعاء الخفي فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت به.
ثالثها: أنه أبلغ في