بدائع الفوائد (صفحة 430)

سببه والمعلول إلى علته كأنه قال من عقوبة عملي والقولان محتملان فتأمل أيهما أليق بالحديث وأولى به فإن مع كل واحد منهما نوعا من الترجيح فيترجح الأول: بأن منشأ الأعمال السيئة من شر النفس فشر النفس يولد الأعمال السيئة فاستعاذ من صفة النفس ومن الأعمال التي تحدث عن تلك الصفة وهذان جماع الشر وأسباب كل ألم فمتى عوفي منها عوفي من الشر بحذافيره ويترجح الثاني: بأن سيئات الأعمال هي العقوبات التي تسوء العامل وأسبابها شر النفس فاستعاذ من العقوبات والآلام وأسبابها والقولان في الحقيقة متلازمان والاستعاذة من أحدهما تستلزم الاستعاذة من الآخر.

فصل:

ولما كان الشر له سبب هو مصدره وله مورد ومنتهى وكان السبب إما من ذات العبد وإما من خارجه ومورده ومنتهاه إما نفسه وإما غيره كان هنا أربعة أمور شر مصدره من نفسه ويعود على نفسه تارة وعلى غيره أخرى وشر مصدره من غيره وهو السبب فيه ويعود على نفسه تارة وعلى غيره أخرى جمع النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقامات الأربعة في الدعاء الذي علمه الصديق أن يقوله إذا أصبح وإذا أمسى وإذا أخذ مضجعه "اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم" صحيح فذكر مصدري الشر وهما: النفس والشيطان وذكر مورده ونهايتيه وهما: عوده على النفس أو على أخيه المسلم فجمع الحديث مصادر الشر وموارده في أوجز لفظه وأخصره وأجمعه وأبينه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015