إلى الأصل المتقدم الذي لم يمكنهم الإتيان به وهو تثنية أنا التي هي بمنزلة عطف اللفظ على مثله فإذا لم يمكنهم ذلك في اللفظ مثنى كانت النون المكررة تنبيها عليه وتلويحا عليه وخصت النون بذلك دون الهمزة لما تقدم من اختصاص ضمير الجمع بالنون وضمير المتكلم بالهمزة ثم جعلوا بين النون حاء ساكنة لقربها من مخرج الألف الموجودة في ضمير المتكلم قبل النون وبعدها ثم بنوها على الضم دون الفتح والكسر إشارة إلى أنه ضمير مرفوع وشاهده ما قلناه في الباب من دلالة الحروف المقطعة على المعاني والرمز بها إليها وقوع ذلك في منثور كلامهم ومنظومه فمنه قلت لها قفي قالت قاف ومنه ألاتا فيقول الآخر ألافا يعني ألا ترتحل فيقول ألا فارحل ومنه:
بالخير خيراتا وإن شرافا ... وما أريد الشر إلا أن تشا
وكقولهم مهيم في ما هذا يا امرؤ وإيش في أي شيء وم الله في أيمن الله ومن هذا الباب حروف التهجي في أوائل السور وقد رأيت لابن فورك نحو من هذا في اسم الله قال الحكمة في وجود الألف في أوله أنها من أقصى مخارج الصوت قريبا من القلب الذي هو محل المعرفة إليه ثم الهاء في آخره مخرجها من هناك أيضا لأن المبتدأ منه والمعاد إليه والإعادة أهون من الابتداء وكذلك لفظ الهاء أهون من لفظ الهمزة هذا معنى كلامه فلم يقل ما قلناه في المضمرات إلا اقتضابا من أصول أئمة النحاة واستنباطا من قواعد اللغة فتأمل هذه الأسرار ولا يزهدنك فيها نبو طباع أكثر الناس عنها واستغناؤهم بظاهر من الحياة الدنيا عن الفكر والتنبيه عليها فإني لم أفحص عن هذه الأسرار وخفي التعليل في الظواهر والإضمار إلا قصد التفكر والإعتبار في حكمة من {خلق الإنسان علمه البيان} فمتى لاح لك من هذه الأسرار وكشف لك عن مكنونها فكر فاشكر الواهب للنعمى {قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}