الْإِضَافَةُ إلَى مَا يَصْلُحُ.

وَقَالُوا فِي حُرٍّ قَالَ لِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ: إذَا مَلَكْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ إذَا اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ فَاشْتَرَاهَا الْحَالِفُ: أَنَّهَا لَا تَعْتِقُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَعْتِقُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُحْمَلُ الْمِلْكُ أَوْ الشِّرَاءُ عَلَى مَا يَقْبَلُهُ الْمَحَلُّ فِي الْحَالِ وَهُوَ مِلْكُ النِّكَاحِ هَهُنَا وَالشِّرَاءُ أَيْضًا يَصْلُحُ عِبَارَةً عَنْ سَبَبِ هَذَا الْمِلْكِ وَهُوَ النِّكَاحُ، وَالْحُرِّيَّةُ أَيْضًا تَصْلُحُ عِبَارَةً عَمَّا يُبْطِلُهُ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَكَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا الْفَصْلِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُحْمَلُ عَلَى مَا يَسْبِقُ إلَى الْأَوْهَامِ وَلَا تَنْصَرِفُ الْأَوْهَامُ إلَى ارْتِدَادِهَا وَلُحُوقِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ وَسَبْيِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَظْنُونٍ بِالْمُسْلِمَةِ فَكَانَ صَرْفُ كَلَامِهِ إلَى مَا ذَكَرْنَا أَوْلَى مِنْ صَرْفِهِ إلَى مَا تَسْبِقُ إلَيْهِ الْأَوْهَامُ وَمِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّهُ يُحْمَلُ مُطْلَقُ الْمِلْكِ عَلَى الْمِلْكِ الْحَقِيقِيِّ الصَّالِحِ لِلْإِعْتَاقِ وَهُوَ الَّذِي يُوجَدُ بَعْدَ السَّبْيِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إذَا ارْتَدَدْتِ وَسُبِيت فَمَلَكْتُك أَوْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَكَانَ ذَلِكَ؛ عَتَقَتْ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الْمِلْكِ الْحَقِيقِيِّ فَيُضَافُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.

وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إذَا قَالَ: أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا عَتَقَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ وَقَدْ وُجِدَ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا لَمْ يَعْتِقْ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّهُ إنْ وُجِدَ مَعْنَى السَّبْقِ فَلَمْ يُوجَدْ مَعْنَى التَّفَرُّدِ.

فَإِنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ اشْتَرَى آخَرَ لَمْ يَعْتِقْ الثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُ إنْ وُجِدَ فِيهِ مَعْنَى التَّفَرُّدِ فَقَدْ انْعَدَمَ مَعْنَى السَّبْقِ وَقَدْ اسْتَشْهَدَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ لِبَيَانِ الثَّالِثِ لَيْسَ بِأَوَّلٍ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: آخِرُ عَبْدٍ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ، فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ اشْتَرَى آخَرَ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ الثَّالِثُ فَدَلَّ أَنَّهُ آخِرٌ، وَإِذَا كَانَ آخِرًا لَا يَكُونُ أَوَّلًا ضَرُورَةً لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ ذَاتًا وَاحِدَةً مِنْ الْمَخْلُوقِينَ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَلَوْ قَالَ: أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ وَاحِدًا فَهُوَ حُرٌّ؛ عَتَقَ الثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ فَرْدًا سَابِقًا فِي حَالِ الشِّرَاءِ وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْوَصْفُ فِي الْعَبْدِ الثَّالِثِ، وَلَوْ قَالَ: آخِرُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ لَمْ يَشْتَرِ غَيْرَهُ حَتَّى مَاتَ الْمَوْلَى لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ الْآخِرَ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَهَذَا فَرْدٌ سَابِقٌ فَكَانَ أَوَّلًا لَا آخِرًا، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ آخِرُ عَبْدٍ اشْتَرَاهُ وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْتِقُ يَوْمَ اشْتَرَاهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَوْمَ مَاتَ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِصِفَةِ الْآخِرِيَّةِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ مَوْتِهِ إذَا لَمْ يَشْتَرِ آخَرَ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بَعْدَهُ عَبْدًا آخَرَ حُرِمَ هُوَ مِنْ أَنْ يَكُونَ آخِرًا فَيَتَوَقَّفُ اتِّصَافُهُ بِكَوْنِهِ آخِرًا عَلَى عَدَمِ الشِّرَاءِ بَعْدَهُ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْمَوْتِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَشْتَرِ آخَرَ بَعْدَهُ حَتَّى مَاتَ؛ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ آخِرًا يَوْمَ اشْتَرَاهُ إلَّا أَنَّا كُنَّا لَا نَعْرِفُ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَشْتَرِيَ آخَرَ بَعْدَهُ فَتَوَقَّفْنَا فِي تَسْمِيَتِهِ آخِرًا فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِ آخَرَ حَتَّى مَاتَ زَالَ التَّوَقُّفُ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ آخِرًا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدَيْنِ مَعًا؛ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدُهُمْ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلٌ فَلَا يَكُونُ آخِرًا وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَلِأَنَّ الْآخِرَ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَلَمْ يُوجَدْ مَعْنَى التَّفَرُّدِ فَلَا يَعْتِقْ أَحَدُهُمَا.

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَظْهَرُ بِهِ وُجُودُ الشَّرْطِ فَالْحَالِفُ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْكِرًا وُجُودَهُ فَإِنْ كَانَ مُقِرًّا يَظْهَرُ بِإِقْرَارِهِ كَائِنًا مَا كَانَ مِنْ الشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ قِبَلِ الْمَحْلُوفِ بِعِتْقِهِ كَمَشِيئَةٍ وَمَحَبَّةٍ وَبُغْضَةٍ وَالْحَيْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَظْهَرُ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا اخْتَلَفَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَمْرًا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ كَدُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ زَيْدٍ وَقُدُومِ عَمْرٍو وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَا لَا يَظْهَرُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَيْهِ مِنْ الْعَبْدِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ قَوْلَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْعِتْقَ وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَوْ كَانَ الشَّرْطُ وِلَادَةَ الْأَمَةِ بِأَنْ قَالَ لَهَا: إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَقَالَتْ: وَلَدْت فَكَذَّبَهَا الْمَوْلَى فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لَا تَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَشْهَدَ بِالْوِلَادَةِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَعِنْدَهُمَا تَعْتِقُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ثِقَةٍ وَالْمَسْأَلَةُ مَرَّتْ فِي فُصُولِ الْعِدَّةِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ: وَهُوَ بَيَانُ مَنْ يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ اسْمِ الْمَمْلُوكِ فِي الْإِعْتَاقِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَمَنْ لَا يَدْخُلُ.

فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ -: يَدْخُلُ تَحْتَهُ عَبْدُ الرَّهْنِ، الْوَدِيعَةُ وَالْآبِقُ وَالْمَغْصُوبُ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى لِانْعِدَامِ الْخَلَلِ فِي الْمِلْكِ وَالْإِضَافَةِ وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت بِهِ الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ كَلِمَةَ الْإِحَاطَةِ عَلَى الْمَمْلُوكِ فَإِذَا نَوَى بِهِ الْبَعْضَ؛ فَقَدْ نَوَى تَخْصِيصَ الْعُمُومِ وَإِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015