الْمَجْلِسِ فَلَهُ أَنْ يَشَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَمُوتَ فَإِذَا مَاتَ فَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَدَمُ فَيَعْتِقُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِلَا فَصْلٍ وَيُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ كَوُقُوعِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ إذْ الْمَوْتُ لَا يَخْلُو عَنْ مُقَدَّمَةِ مَرَضٍ وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ غَدًا إنْ شِئْت فَالْمَشِيئَةُ فِي الْغَدِ فَإِنْ شَاءَ فِي الْحَالِ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يَشَأْ فِي الْغَدِ وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت غَدًا فَالْمَشِيئَةُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ فَإِذَا شَاءَ فِي الْحَالِ عَتَقَ غَدًا لِأَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عُلِّقَ الْإِعْتَاقُ الْمُضَافُ إلَى الْغَدِ بِالْمَشِيئَةِ فَيَقْتَضِي الْمَشِيئَةَ فِي الْغَدِ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي أَضَافَ الْإِعْتَاقَ الْمُعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ إلَى الْغَدِ فَيَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْمَشِيئَةِ عَلَى الْغَدِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: الْمَشِيئَةُ فِي الْغَدِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا وَقَالَ زُفَرُ: الْمَشِيئَةُ إلَيْهِ لِلْحَالِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا.
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُ الرَّجُلِ لِعَبْدِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ صُورَةً وَمَعْنًى لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَيَصِحُّ فِي الْمِلْكِ وَيَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْأَدَاءُ إلَيْهِ فِي مِلْكِهِ فَإِذَا جَاءَ بِأَلْفٍ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَلْفِ شَاءَ الْمَوْلَى أَوْ أَبَى وَهُوَ تَفْسِيرُ الْجَبْرِ عَلَى الْقَوْلِ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ يَجْبُرُهُ عَلَى الْقَبْضِ بِالْحَبْسِ كَذَا فَسَّرَهُ مُحَمَّدٌ فَقَالَ: إنَّ الْعَبْدَ إذَا أَحْضَرَ الْمَالَ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ الْقَبْضِ عَتَقَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَعْتِقَ مَا لَمْ يَقْبِضْ أَوْ يَقْبَلْ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.
(وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ إلَيْهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْأَدَاءُ إلَيْهِ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَعْتِقُ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ عَبْدًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَجَاءَ بِعَبْدٍ رَدِيءٍ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ قَبِلَ يَعْتِقُ، وَكَذَا إذَا قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ كُرًّا مِنْ حِنْطَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّى كُرًّا مِنْ حِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ وَلَوْ قَبِلَ يَعْتِقُ، وَكَذَا إذَا قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً فَأَتَى بِثَوْبٍ مُطْلَقٍ أَوْ دَابَّةٍ مُطْلَقَةٍ لَا يَعْتِقُ بِدُونِ الْقَبُولِ، وَكَذَا إذَا قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا أَحُجُّ بِهَا أَوْ حَجَجْت بِهَا لَا يَعْتِقُ بِتَسْلِيمِ الْأَلْفِ مَا لَمْ يَقْبَلْ، وَكَذَا إذَا قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ هَذَا الدَّنَّ مِنْ الْخَمْرِ لَا يَعْتِقُ بِالتَّخْلِيَةِ بِدُونِ الْقَبُولِ.
(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ أَدَاءَ الْمَالِ إلَى الْإِنْسَانِ عِبَارَةٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] أَيْ: تُسَلِّمُوا وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَبَرًا عَنْ نَبِيِّهِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} [الدخان: 18] أَيْ سَلِّمُوا وَتَسْلِيمُ الشَّيْءِ عِبَارَةٌ عَنْ جَعْلِهِ سَالِمًا خَالِصًا لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ وَهَذَا يَحْصُلُ بِالتَّخْلِيَةِ وَلِهَذَا كَانَتْ التَّخْلِيَةُ تَسْلِيمًا فِي الْكِتَابَةِ وَكَذَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَبْضِ كَمَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْكِتَابَةِ وَالْمُعَاوَضَاتِ الْمُطْلَقَةِ مَعَ مَا أَنَّ التَّخْلِيَةَ تَتَضَمَّنُ الْقَبْضَ؛ لِأَنَّهَا تُفِيدُ التَّمَكُّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْقَبْضِ لَا الْجَعْلِ الْبَرَاجِمِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ.
وَأَمَّا الْمَسَائِلُ فَهُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ أَمَّا مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ ذُكِرَ الْعَبْدُ مُطْلَقًا فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمُقَيَّدَ وَهُوَ الْعَبْدُ الْمَرْغُوبُ فِيهِ لَا مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَبْدِ عُلِمَ ذَلِكَ بِدَلَالَةِ حَالِهِ فَلَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الرَّدِيءِ فَإِذَا قَبِلَ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبِلَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِهِ الْمُقَيَّدَ بَلْ الْمُطْلَقَ وَعُلِمَ أَنَّ لَهُ فِيهِ غَرَضًا آخَرَ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ الدَّلَالَةُ مَعَ الصَّرِيحِ بِخِلَافِهِ حَتَّى لَوْ أَتَى بِعَبْدٍ جَيِّدٍ أَوْ وَسَطٍ وَخَلَّى يَعْتِقُ وَهُوَ الْجَوَابُ فِي مَسْأَلَةِ الْكُرِّ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الثَّوْبِ فَثَمَّ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يَقْبَلْ وَلَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْوَسَطِ لِأَنَّ الثِّيَابَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَأَنْوَاعٌ مُتَفَاوِتَةٌ وَاسْمُ الثَّوْبِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ عَلَى الِانْفِرَادِ مِنْ الدِّيبَاجِ وَالْخَزِّ وَالْكَتَّانِ وَالْكِرْبَاسِ وَالصُّوفِ وَكُلِّ جِنْسٍ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ فَكَانَ الْوَسَطُ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً وَلَا يَقَعُ عَلَى أَدْنَى الْوَسَطِ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ كَمَا لَا يَقَعُ عَلَى أَدْنَى الرَّدِيءِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ أَدْنَى الْوَسَطِ وَهُوَ الْكِرْبَاسُ وَهُوَ ثَوْبٌ تُسْتَرُ بِهِ الْعَوْرَةُ مِمَّا لَا يُرْغَبُ فِيهِ بِمُقَابَلَةِ إزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ عَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ، وَمَتَى بَقِيَ مَجْهُولًا لَا تَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ وَالتَّخْلِيَةُ حَتَّى لَوْ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ ثَوْبًا هَرَوِيًّا فَأَنْتَ حُرٌّ يَقَعُ عَلَى الْوَسَطِ وَإِذَا جَاءَ بِهِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ الدَّوَابَّ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ تَحْتَهَا أَنْوَاعٌ مُتَفَاوِتَةٌ وَاسْمُ الدَّابَّةِ يَقَعَ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ عَلَى الِانْفِرَادِ حَتَّى لَوْ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَرَسًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْوَسَطِ وَيُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَجِّ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ إنْ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَحَجَجْت بِهَا أَوْ قَالَ: وَحَجَجْت بِهَا فَأَتَى بِالْأَلْفِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَرْطَيْنِ فَلَا يَعْتِقُ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا أَحُجُّ بِهَا يَعْتِقُ إذَا خَلَّى وَيَكُونُ قَوْلُهُ أَحُجُّ بِهَا لِبَيَانِ الْغَرَضِ تَرْغِيبًا لِلْعَقْدِ فِي الْأَدَاءِ حَيْثُ يَصِيرُ كَسْبُهُ مَصْرُوفًا إلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ.
وَمَسْأَلَةُ الْخَمْرِ لَا رِوَايَةَ فِيهَا وَلَكِنْ ذُكِرَ فِي الْكِتَابَةِ أَنَّهُ إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى دَنٍّ مِنْ خَمْرٍ أَوْ عَلَى كَذَا عَدَدٍ مِنْ الْخَنَازِيرِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَتَى