أُخْرَى كَأُخْتِ امْرَأَتِهِ أَوْ امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ أَوْ مُرْتَدَّةٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا حُكْمُ الظِّهَارِ فَلِلظِّهَارِ أَحْكَامٌ: مِنْهَا حُرْمَةُ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] أَيْ فَلْيُحَرِّرُوا كَمَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] أَيْ لِيُرْضِعْنَ.
وقَوْله تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] أَيْ لِيَتَرَبَّصْنَ، أَمَرَ الْمُظَاهِرَ بِتَحْرِيرِ رَقَبَةٍ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَوْ لَمْ يُحَرِّمْ الْوَطْءَ قَبْلَ الْمَسِيسِ لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِتَقْدِيمِ التَّحْرِيرِ قَبْلَ الْمَسِيسِ مَعْنًى وَهُوَ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] وَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ النَّجْوَى قَبْلَ الصَّدَقَةِ إذْ لَوْ لَمْ يَحْرُمْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِتَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى النَّجْوَى مَعْنًى فَكَذَا هَذَا.
وَرُوِيَ أَنَّ مَسْلَمَةُ بْنَ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ أَبْصَرَهَا فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ وَعَلَيْهَا خَلْخَالٌ فِضَّةٌ فَأَعْجَبَتْهُ فَوَطِئَهَا فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا تَعُدْ حَتَّى تُكَفِّرَ» أَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاسْتِغْفَارِ وَالِاسْتِغْفَارُ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ الذَّنْبِ فَدَلَّ عَلَى حُرْمَةِ الْوَطْءِ وَكَذَا نَهَى الْمُظَاهِرَ عَنْ الْعَوْدِ إلَى الْجِمَاعِ، وَمُطْلَقُ النَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ فَيَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الْجِمَاعِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ إذَا قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ وَمِنْهَا حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا مِنْ الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّقْبِيلِ وَاللَّمْسِ عَنْ شَهْوَةٍ وَالنَّظَرِ إلَى فَرْجِهَا عَنْ شَهْوَةٍ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ؛ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] وَأَخَفُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسِّ هُوَ اللَّمْسُ بِالْيَدِ إذْ هُوَ حَقِيقَةٌ لَهُمَا جَمِيعًا أَعْنِي الْجِمَاعَ وَاللَّمْسَ بِالْيَدِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْمَسِّ بِالْيَدِ فِيهِمَا؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ دَاعٍ إلَى الْجِمَاعِ فَإِذَا حَرُمَ الْجِمَاعُ حَرُمَ الدَّاعِي إلَيْهِ إذْ لَوْ لَمْ يَحْرُمْ لَأَدَّى إلَى التَّنَاقُضِ وَلِهَذَا حَرُمَ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَفِي الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ بَابِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ هُنَاكَ يُفْضِي إلَى الْجِمَاعِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْأَذَى فَامْتَنَعَ عَمَلُ الدَّاعِي لِلتَّعَارُضِ فَلَا يُفْضِي إلَى الْجِمَاعِ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ إنَّمَا حَصَلَتْ بِتَشْبِيهِ امْرَأَتِهِ بِأُمِّهِ فَكَانَتْ قَبْلَ انْتِهَائِهَا بِالتَّكْفِيرِ وَحُرْمَةُ الْأُمِّ سَوَاءً، وَتِلْكَ الْحُرْمَةُ تَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ كَذَا هَذِهِ وَلِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقَ الْقَوْمِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنَقَلَهُ الشَّرْعُ مِنْ تَحْرِيمِ الْمَحَلِّ إلَى تَحْرِيمِ الْفِعْلِ فَكَانَتْ حُرْمَةُ الْفِعْلِ فِي الْمُظَاهَرِ مِنْهَا مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ كَحُرْمَةِ الْفِعْلِ فِي الْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ، وَتِلْكَ الْحُرْمَةُ تَعُمُّ الْبَدَنَ كُلَّهُ كَذَا هَذِهِ.
وَلَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ إذَا ظَاهَرَ مِنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَدَعَهُ يَقْرَبُهَا بِالْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ حَتَّى يُكَفِّرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَالتَّمْكِينُ مِنْ الْحَرَامِ حَرَامٌ.
وَمِنْهَا أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْوَطْءِ وَإِذَا طَالَبَتْهُ بِهِ فَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُجْبِرَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ وَيَطَأَ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّحْرِيمِ بِالظِّهَارِ أَضَرَّ بِهَا حَيْثُ مَنَعَهَا حَقَّهَا فِي الْوَطْءِ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ فَكَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِإِيفَاءِ حَقِّهَا وَدَفْعِ التَّضَرُّرِ عَنْهَا وَفِي وُسْعِهِ إيفَاءُ حَقِّهَا بِإِزَالَةِ الْحُرْمَةِ بِالْكَفَّارَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ لَوْ امْتَنَعَ.
وَيَسْتَوِي فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَاتِ كُلِّهَا مِنْ الْإِعْتَاقِ وَالصِّيَامِ وَالطَّعَامِ أَعْنِي كَمَا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهَا وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا قَبْلَ التَّحْرِيرِ وَالصَّوْمِ لَا يُبَاحُ لَهُ قَبْلَ الْإِطْعَامِ وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ كَفَّارَتُهُ الْإِطْعَامَ جَازَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا شَرَطَ تَقْدِيمَ هَذَا النَّوْعِ عَلَى الْمَسِيسِ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا؟ وَإِنَّمَا شَرَطَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ فَيَقْتَصِرُ الشَّرْطُ عَلَى الْمَوْضِعِ الْمَذْكُورِ وَلَنَا أَنَّهُ لَوْ أُبِيحَ لَهُ الْوَطْءُ قَبْلَ الْإِطْعَامِ فَيَطَؤُهَا وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَالصِّيَامِ فِي خِلَالِ الطَّعَامِ فَتَنْتَقِلُ كَفَّارَتُهُ إلَيْهِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ وَطْأَهُ كَانَ حَرَامًا فَيَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ الْحَرَامِ بِإِيجَابِ تَقْدِيمِ الْإِطْعَامِ احْتِيَاطًا وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا ظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَرْبَعَ كَفَّارَاتٍ سَوَاءٌ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِأَقْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ أَوْ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا ظَاهَرَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الظِّهَارَ أَحَدُ نَوْعَيْ التَّحْرِيمِ فَيُعْتَبَرُ بِالنَّوْعِ الْآخَرِ وَهُوَ الْإِيلَاءُ، وَهُنَاكَ لَا يَجِبُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِأَنْ قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ فَقَرِبَهُنَّ فَكَذَا هَهُنَا.
(وَلَنَا) الْفَرْقُ بَيْنَ الظِّهَارِ وَبَيْنَ الْإِيلَاءِ وَهُوَ أَنَّ الظِّهَارَ وَإِنْ كَانَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهَا تَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى حِيَالِهَا فَصَارَ مُظَاهِرًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ.
وَالظِّهَارُ تَحْرِيمٌ