أَوْ غَرِقَتَا يَرِثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مِيرَاثِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مِيرَاثَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي حَالٍ وَلَا يَسْتَحِقُّهُ فِي حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ كَمَا هُوَ أَصْلُنَا فِي اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ.

وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَتَا جَمِيعًا أَوْ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى لَكِنْ لَا يُعْرَفُ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِمَا مَعًا.

وَلَوْ مَاتَتَا مَعًا ثُمَّ عَيَّنَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا وَقَالَ إيَّاهَا عَنَيْت لَا يَرِثُ مِنْهَا وَيَرِثُ مِنْ الْأُخْرَى نِصْفَ مِيرَاثِ زَوْجٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا مَاتَتَا فَقَدْ اسْتَحَقَّ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مِيرَاثٍ لِمَا بَيَّنَّا فَإِذَا أَرَادَ إحْدَاهُمَا عَيْنًا فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ مِيرَاثِهَا وَهُوَ النِّصْفُ فَيَرِثُ مِنْ الْأُخْرَى النِّصْفَ.

وَلَوْ ارْتَدَّتَا جَمِيعًا قَبْلَ الْبَيَانِ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا وَبَانَتَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبِينَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ فِي إحْدَاهُمَا أَمَّا الْبَيْنُونَةُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ زَالَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالرِّدَّةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِذَا زَالَ الْمِلْكُ لَا يَمْلِكُ الْبَيَانَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ قَبْلَ الْبَيَانِ إذْ لَوْ وَقَعَ لَصَحَّ الْبَيَانُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَعْيِينَ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فَلَا تَفْتَقِرُ صِحَّتُهُ إلَى قِيَامِ الْمِلْكِ.

وَلَوْ كَانَتَا رَضِيعَتَيْنِ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَأَرْضَعَتْهُمَا قُبَيْلَ الْبَيَانِ بَانَتَا، وَهَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى إحْدَاهُمَا لَصَارَتْ أَجْنَبِيَّةً فَلَا يَتَحَقَّقُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِالرَّضَاعِ نِكَاحًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَبِينَا وَقَدْ بَانَتَا وَإِذَا بَانَتَا بِالرَّضَاعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبَيِّنَ الطَّلَاقَ فِي إحْدَاهُمَا لِمَا قُلْنَا وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَا وَلَوْ بَيَّنَ الطَّلَاقَ فِي إحْدَاهُمَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ.

كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى لَوْ رَاجَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ وَكَذَا إذَا بَيَّنَ الطَّلَاقَ فِي إحْدَاهُمَا وَقَدْ كَانَتْ حَاضَتْ قَبْلَ الْبَيَانِ ثَلَاثَ حِيَضٍ لَا تَعْتَدُّ بِمَا حَاضَتْ قَبْلَهُ وَتَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا قَبْلَ الْبَيَانِ.

وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِرْسَالِ وَتَنْقَضِي إذَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ نَازِلٌ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ.

وَمِنْ هَذَا حَقَّقَ الْقُدُورِيُّ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي كَيْفِيَّةِ هَذَا التَّصَرُّفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى الْخِلَافِ بِمَسْأَلَةِ الْعِدَّةِ.

وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَالْأُخْرَى طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَحَاضَتْ إحْدَاهُمَا ثَلَاثَ حِيَضٍ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ وَالْأُخْرَى طَالِقٌ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُطَلَّقَةٌ إلَّا أَنَّ إحْدَاهُمَا بِوَاحِدَةٍ وَالْأُخْرَى بِثَلَاثٍ فَإِذَا حَاضَتْ إحْدَاهُمَا ثَلَاثَ حِيَضٍ فَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا بِيَقِينٍ فَخَرَجَتْ عَنْ احْتِمَالِ بَيَانِ الثَّلَاثِ فِيهَا فَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلثَّلَاثِ ضَرُورَةً.

وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ فَقَالَ: إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْرَى جَازَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مَدْخُولًا بِهِنَّ فَتَزَوَّجَ أُخْرَى لَمْ يَجُزْ وَهَذَا حُجَّةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا فِي إحْدَاهُنَّ لَمَا جَازَ نِكَاحُ امْرَأَةٍ أُخْرَى فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ نِكَاحَ الْخَامِسَةِ وَلَجَازَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ نِكَاحَ الرَّابِعَةِ وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ دَلَّ أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا قَبْلَ الْبَيَانِ.

وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ فِي الصِّحَّةِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ بَيَّنَ فِي إحْدَاهُمَا فِي مَرَضِهِ يَصِيرُ فَارًّا؛ وَتَرِثُهُ الْمُطَلَّقَةُ مَعَ الْمَنْكُوحَةِ وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَهَذَا حُجَّةُ الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَوْ كَانَ وَاقِعًا فِي إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ لَكَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي الصِّحَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِيرَ فَارًّا، كَمَا إذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا عَيْنًا وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَأَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: حُكْمُ الْمَهْرِ، وَحُكْمُ الْمِيرَاثِ، وَحُكْمُ الْعِدَّةِ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ:.

أَمَّا حُكْمُ الْمَهْرِ فَإِنْ كَانَتَا مَدْخُولًا بِهِمَا فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جَمِيعُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمَهْرِ مَنْكُوحَةً كَانَتْ أَوْ مُطَلَّقَةً أَمَّا الْمَنْكُوحَةُ فَلَا شَكَّ فِيهَا وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَلِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ بَعْدَ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَتَا غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهِمَا فَلَهُمَا مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرٍ بَيْنَهُمَا، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُطَلَّقَةً فَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَةً تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ بِمَنْزِلَةِ الدُّخُولِ.

وَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً تَسْتَحِقُّ النِّصْفَ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ قَدْ سَقَطَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُلُّ الْمَهْرِ فِي حَالٍ وَالنِّصْفُ فِي حَالٍ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَيَتَنَصَّفُ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَهْرٍ هَذَا إذَا كَانَ قَدْ سَمَّى لَهُمَا مَهْرًا فَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ لَهُمَا مَهْرًا فَلَهُمَا مَهْرٌ وَمُتْعَةٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إنْ كَانَتْ مَنْكُوحَةً فَلَهَا كَمَالُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً فَلَهَا كَمَالُ الْمُتْعَةِ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَسْتَحِقُّ كَمَالَ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي حَالٍ وَلَا تَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي حَالٍ.

وَكَذَا الْمُتْعَةُ فَتَتَنَصَّفُ كُلُّ وَاحِدَةٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015