وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَرِثْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَرَضَ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ فَلَمْ يُوجَدْ الْإِيقَاعُ وَلَا الشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ؛ فَكَانَ هَذَا وَالْإِيقَاعُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ سَوَاءً، وَلِهَذَا كَانَ هَذَا الْمَرَضُ وَالصِّحَّةُ سَوَاءً فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ.
وَأَمَّا وَقْتُ الِاسْتِحْقَاقِ فَهُوَ وَقْتُ مَرَضِ الْمَوْتِ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ مَرَضِ الْمَوْتِ لِتَفْرِيقِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْمَرِيضَ مَرَضَ الْمَوْتِ هُوَ الَّذِي أَضْنَاهُ الْمَرَضُ وَصَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَأَمَّا إذَا كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُحَمُّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ.
وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: الْمَرِيضَ الَّذِي إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ كَانَ فَارًّا هُوَ أَنْ يَكُونَ مُضْنًى لَا يَقُومُ إلَّا بِشِدَّةٍ وَهُوَ فِي حَالٍ يُعْذَرُ فِي الصَّلَاةِ جَالِسًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ هُوَ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ غَالِبًا.
وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُضْنًى لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ إلَّا بِشِدَّةٍ يُخْشَى عَلَيْهِ الْمَوْتُ.
وَكَذَا إذَا كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَكَذَا إذَا كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ وَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ الْمَوْتُ غَالِبًا.
وَإِنْ كَانَ يُحَمُّ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَرَضَ الْمَوْتِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْفَالِجِ وَالسُّلِّ وَالنَّقْرَسِ وَنَحْوِهَا إذَا طَالَ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا طَالَ لَا يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ غَالِبًا فَلَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ حَالُهُ مِنْ ذَلِكَ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ التَّغَيُّرِ فَيَكُونُ حَالَ التَّغَيُّرِ مَرَضَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ يُخْشَى مِنْهُ الْمَوْتُ غَالِبًا فَيَكُونُ مَرَضَ الْمَوْتِ.
وَكَذَا الزَّمِنُ وَالْمُقْعَدُ وَيَابِسُ الشِّقِّ.
وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِي الْمَحْصُورِ وَالْوَاقِفِ فِي صَفِّ الْقِتَالِ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ فَحُبِسَ لِيُقْتَلَ أَنَّهُ كَالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَالِبُ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْمَوْتَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَتَخَلَّصُ مِنْهَا غَالِبًا لِكَثْرَةِ أَسْبَابِ الْخَلَاصِ وَلَوْ قَدِمَ لِيَقْتُلَ أَوْ بَارَزَ قِرْنَهُ وَخَرَجَ مِنْ الصَّفِّ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ إذْ الْغَالِبُ مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ الْهَلَاكُ فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمَرِيضِ إذَا مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ.
وَلَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ إلَّا إذَا هَاجَتْ الْأَمْوَاجُ فَيَصِيرُ فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْهَا الْمَوْتُ غَالِبًا وَلَوْ أُعِيدَ الْمُخْرَجُ إلَى الْقَتْلِ أَوْ إلَى الْحَبْسِ أَوْ إذَا رَجَعَ الْمُبَارِزُ بَعْدَ الْمُبَارِزَةِ إلَى الصَّفِّ أَوْ سَكَنَ الْمَوْجُ صَارَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ كَالْمَرِيضِ إذَا بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ وَالْمَرْأَةُ إذَا مَا أَخَذَهَا الطَّلْقُ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ إذَا مَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْهُ خَوْفُ الْهَلَاكِ وَإِذَا سَلِمَتْ مِنْ ذَلِكَ فَهِيَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ كَمَا إذَا كَانَتْ مَرِيضَةً ثُمَّ صَحَّتْ.
وَلَوْ طَلَّقَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ وَقَامَ مِنْ مَرَضِهِ وَكَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ وَيَقْوَى عَلَى الصَّلَاةِ قَائِمًا ثُمَّ نُكِسَ فَعَادَ إلَى حَالَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ تَرِثُهُ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ وَقْتَ تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالْإِرْثِ وَوَقْتَ الْمَوْتِ وَقْتُ ثُبُوتِ الْإِرْثِ، وَالْمَرَضُ قَدْ أَحَاطَ بِالْوَقْتَيْنِ جَمِيعًا فَانْقِطَاعُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَلَا وَقْتَ الْإِرْثِ.
وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا صَحَّ بَعْدَ الْمَرَضِ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ فَلَمْ يُوجَدْ الطَّلَاقُ فِي حَالِ الْمَرَضِ فَلَا تَرِثُ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الَّذِي يَخُصُّ الطَّلَاقَ الْمُبْهَمَ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الطَّلَاقِ مُضَافًا إلَى مَجْهُولَةٍ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْجَهَالَةَ إمَّا إنْ كَانَتْ أَصْلِيَّةً وَإِمَّا إنْ كَانَتْ طَارِئَةً: أَمَّا.
الْجَهَالَةُ الْأَصْلِيَّةُ فَهِيَ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الطَّلَاقِ مِنْ الِابْتِدَاءِ مُضَافًا إلَى الْمَجْهُولِ وَجَهَالَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ تَكُونُ لِمُزَاحَمَةِ غَيْرِهِ إيَّاهُ فِي الِاسْمِ وَالْمُزَاحِمُ إيَّاهُ فِي الِاسْمِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَمِلًا لِلطَّلَاقِ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ مُحْتَمِلًا لَهُ، وَالْمُحْتَمِلُ لِلطَّلَاقِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الزَّوْجُ طَلَاقَهُ أَوْ لَا يَمْلِكُ طَلَاقَهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَمْلِكُ طَلَاقَهُ صَحَّتْ الْإِضَافَةُ بِالْإِجْمَاعِ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ يَقُولَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا.
وَالْكَلَامُ فِيهِ يَقَعُ فِي مَوْضِعَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا فِي.
بَيَانِ كَيْفِيَّةِ هَذَا التَّصَرُّفِ أَعْنِي قَوْلَهُ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ، وَالثَّانِي فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي كَيْفِيَّةِ هَذَا التَّصَرُّفِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ إيقَاعُ الطَّلَاقِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غَيْرِ عَيْنٍ، وَاخْتَارَ الطَّلَاقَ فِي إحْدَاهُمَا وَبَيَانُ الطَّلَاقِ فِيهِمَا تَعْيِينٌ لِمَنْ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ.
وَيُقَالُ إنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ إيقَاعُ الطَّلَاقِ مُعَلَّقًا بِشَرْطِ الْبَيَانِ مَعْنًى، وَمَعْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْبَيَانِ، وَالِاخْتِيَارُ لَا لِلْحَالِ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ مِنْ دُخُولِ الدَّارِ وَغَيْرِهِ غَيْرَ أَنَّ هُنَاكَ الشَّرْطَ يَدْخُلُ عَلَى السَّبَبِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا وَهَهُنَا يَدْخُلُ عَلَى الْحُكْمِ لَا عَلَى السَّبَبِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِذَا