فَتَعَيَّنَ الِاسْتِنَادُ، وَكَذَا مَنْ يَقُولُ بِثُبُوتِ الْحِلِّ فِي الْمَرَضِ دُونَ الْمِلْكِ يُعْتَبَرُ قِيَامُ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْإِرْثِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَمْ يَبْقَ لِبُطْلَانِهِ بِالرِّدَّةِ.

وَأَمَّا عَلَى طَرِيقِ الظُّهُورِ الْمَحْضِ فَيُشْكِلُ تَخْرِيجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمِلْكَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ ثَابِتًا لِلْوَارِثِ وَقْتَ الْمَرَضِ، وَالنِّكَاحُ كَانَ قَائِمًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَالْأَهْلِيَّةُ كَانَتْ مَوْجُودَةً، وَبَقَاءُ السَّبَبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ الْحُكْمِ، وَكَذَا الْأَهْلِيَّةُ شَرْطُ الثُّبُوتِ لَا شَرْطُ الْبَقَاءِ.

وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ ثُمَّ قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا أَوْ أَبَاهُ بِشَهْوَةٍ فِي عِدَّتِهَا تَرِثُ؛ لِأَنَّهَا بِالتَّقْبِيلِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ إذْ لَيْسَ تَحْتَ التَّقْبِيلِ إلَّا التَّحْرِيمُ، وَالتَّحْرِيمُ لَا يُبْطِلُ أَهْلِيَّةَ الْإِرْثِ بِخِلَافِ الرِّدَّةِ فَإِنَّهَا مُبْطِلَةٌ لِلْأَهْلِيَّةِ وَمِنْهَا شَرْطُ الْمَحَلِّيَّةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ مَالًا فَاضِلًا فَارِغًا عَنْ حَوَائِجِ الْمَيِّتِ حَاجَةً أَصْلِيَّةً فَلَا يَثْبُتُ الْإِرْثُ فِي الْمَالِ الْمَشْغُولِ بِحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، وَمِنْهَا اتِّحَادُ الدَّيْنِ، وَمِنْهَا اتِّحَادُ الدَّارِ لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ.

وَأَمَّا الَّذِي يَخُصُّ النِّكَاحَ فَشَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا قِيَامُ الْعِدَّةِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَا تَرِثُ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ وَتَرِثُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ جَرَيَانَ الْإِرْثِ بَعْدَ الْإِبَانَةِ وَالثَّلَاثِ ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَهُمْ شَرَطُوا قِيَامَ الْعِدَّةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْهُمْ فَصَارَ شَرْطًا بِالْإِجْمَاعِ غَيْرَ مَعْقُولٍ فَيَتْبَعُ مَعْقِدَ الْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً كَانَ بَعْضُ أَحْكَامِ النِّكَاحِ قَائِمًا مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْفِرَاشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَأَمْكَنَ إبْقَاؤُهُ فِي حَقِّ حُكْمِ الْإِرْثِ فَالتَّوْرِيثُ يَكُونُ مُوَافِقًا لِلْأُصُولِ.

وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ عَلَائِقِ النِّكَاحِ فَكَانَ الْقَوْلُ بِالتَّوْرِيثِ نَصْبَ شَرْعٍ بِالرَّأْيِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ.

وَقَالُوا فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي مَرَضِهِ وَدَامَ بِهِ الْمَرَضُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَمَاتَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهَا الْمِيرَاثُ بِنَاءً عَلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَقْرَاءِ وَبِوَضْعِ الْحَمْلِ عِنْدَهُمَا بِالْأَقْرَاءِ، وَعِنْدَهُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ.

وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَلَا يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا إلَّا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَلَمْ تَكُنْ مَقْضِيَّةَ الْعِدَّةِ عِنْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَتَرِثُ وَهُمَا يَقُولَانِ لَا شَكَّ أَنَّ الْوَلَدَ حَصَلَ بِوَطْءٍ حَادِثٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ وَطِئَهَا أَوْ غَيْرُهُ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ إيَّاهَا حَرَامٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَرْتَكِبُ الْحَرَامَ.

وَلَا وَجْه لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ غَيْرَ الزَّوْجِ إمَّا أَنْ وَطِئَهَا بِنِكَاحٍ أَوْ بِشُبْهَةٍ وَالْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ حَرَامٌ أَيْضًا فَتَعَيَّنَ حَمْلُ أَمْرِهَا عَلَى النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَهُوَ أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ قَبْلَ التَّزَوُّجِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَكَانَتْ عِدَّتُهَا مُنْقَضِيَةً قَبْلَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَلَا تَرِثُ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ أَنَّهَا تَرُدُّ نَفَقَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَرُدُّ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.

وَالثَّانِي عَدَمُ الرِّضَا مِنْهَا بِسَبَبِ الْفُرْقَةِ وَشَرْطِهَا، فَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ لَا تَرِثُ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا، وَالتَّوْرِيثُ ثَبَتَ نَظَرًا لَهَا لِصِيَانَةِ حَقِّهَا فَإِذَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا لَمْ تَبْقَ مُسْتَحِقَّةً لِلنَّظَرِ وَعَلَى هَذَا تَخْرِيجِ مَا إذَا قَالَ لَهَا فِي مَرَضِهِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ أَوْ اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا فَفَعَلَتْ أَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي ثَلَاثًا فَفَعَلَ أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهَا لَا تَرِثُ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِسَبَبِ الْبُطْلَانِ أَوْ بِشَرْطِهِ أَمَّا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا بَاشَرَتْ سَبَبَ الْبُطْلَانِ بِنَفْسِهَا.

وَكَذَا إذَا أَمَرَهَا بِالطَّلَاقِ فَطَلَّقَتْ وَكَذَا إذَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَهَا؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِمُبَاشَرَةِ السَّبَبِ مِنْ الزَّوْجِ وَفِي الْخُلْعِ بَاشَرَتْ الشَّرْطَ بِنَفْسِهَا فَكُلُّ ذَلِكَ دَلِيلُ الرِّضَا وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي لِلرَّجْعَةِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ؛ لِأَنَّ مَا رَضِيَتْ بِهِ وَهُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِبُطْلَانِ الْإِرْثِ وَمَا هُوَ سَبَبُ الْبُطْلَانِ وَهُوَ مَا أَتَى بِهِ الزَّوْجُ مَا رَضِيَتْ بِهِ فَتَرِثُ.

وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ فِي مَرَضِهِ أَوْ صِحَّتِهِ بِشَرْطٍ وَكَانَ الشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ وَوُجُودُ الشَّرْطِ جَمِيعًا فِي الصِّحَّةِ، وَإِمَّا إنْ كَانَا جَمِيعًا فِي الْمَرَضِ، وَإِمَّا إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الصِّحَّةِ وَالْآخَرُ فِي الْمَرَضِ وَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ عَلَّقَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِهَا أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ وَوُجُودُ الشَّرْطِ جَمِيعًا فِي الصِّحَّةِ لَا شَكَّ أَنَّهَا لَا تَرِثُ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُعَلَّقُ بِهِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ فِي وَقْتِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ وَقْتُ مَرَضِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015