كَعَدَدِ أَلْفٍ (أَمَّا) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهُوَ ثَلَاثٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ: مُحَمَّدٌ هُوَ ثَلَاثٌ، وَلَوْ قَالَ: نَوَيْت بِهِ وَاحِدَةً دَيَّنْته فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ أُدَيِّنْهُ فِي الْقَضَاءِ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ قَوْلَهُ: كَأَلْفٍ تَشْبِيهٌ بِالْعَدَدِ إذْ الْأَلْفُ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ فَصَارَ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَى الْعَدَدِ فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ كَعَدَدِ أَلْفٍ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ كَانَ ثَلَاثًا كَذَا هَذَا، وَلَهُمَا أَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْأَلْفِ يَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَيَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ وَهُوَ صِفَةُ الْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنْ الرِّجَالِ قَدْ يُشَبَّهُ بِأَلْفِ رَجُلٍ فِي الشَّجَاعَةِ، وَإِذَا كَانَ مُحْتَمِلًا لَهُمَا فَلَا يَثْبُتُ الْعَدَدُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، فَإِذَا نَوَى فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ وَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ يُحْمَلُ عَلَى الْأَدْنَى؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ بِهِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْعَدَدِ بِالشَّكِّ.
وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً كَأَلْفٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى الْوَاحِدَةِ عُلِمَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِهِ التَّشْبِيهَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَتَعَيَّنَ التَّشْبِيهُ فِي الْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ.
وَذَلِكَ فِي الْبَائِنِ فَيَقَعُ بَائِنًا.
وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ كَعَدَدِ أَلْفٍ أَوْ كَعَدَدِ ثَلَاثٍ أَوْ مِثْلِ عَدَدِ ثَلَاثٍ فَهُوَ ثَلَاثٌ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ فَنِيَّتُهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْعَدَدِ يَنْفِي احْتِمَالَ إرَادَةِ الْوَاحِدِ فَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِهِ الثَّلَاثَ أَصْلًا كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَنَوَى الْوَاحِدَةَ، وَإِنْ شَبَّهَ بِالْعَدَدِ فِيمَا لَا عَدَدَ لَهُ بِأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلُ عَدَدِ كَذَا أَوْ كَعَدَدِ كَذَا لِشَيْءٍ لَا عَدَدَ لَهُ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْعَدَدِ فِيمَا لَا عَدَدَ لَهُ لَغْوٌ فَبَطَلَ التَّشْبِيهُ، وَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ التَّشْبِيهِ يَقْتَضِي ضَرْبًا مِنْ الزِّيَادَةِ لَا مَحَالَةَ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَيُحْمَلُ عَلَى الزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ، وَقَالُوا فِيمَنْ قَالَ: لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدَ شَعْرِ رَاحَتِي أَوْ عَدَدَ مَا عَلَى ظَهْرِ كَفِّي مِنْ الشَّعْرِ وَقَدْ حَلَقَ ظَهَرَ كَفِّهِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَ بِمَا لَا عَدَدَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِوُجُودِ الشَّعْرِ عَلَى رَاحَتِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ لِلْحَالِ وَلَيْسَ عَلَى رَاحَتِهِ وَلَا عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ شَعْرٌ لِلْحَالِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّشَبُّهُ بِالْعَدَدِ فَلَغَا التَّشَبُّهُ وَبَقِيَ قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ فَيَكُونُ رَجْعِيًّا وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدَ شَعْرِ رَأْسِي وَعَدَدَ شَعْرِ ظَهْرِ كَفِّي وَقَدْ حَلَقَهُ طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَ بِمَا لَهُ عَدَدٌ؛ لِأَنَّ شَعْرَ رَأْسِهِ ذُو عَدَدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي الْحَالِ فَكَانَ هَذَا تَشْبِيهًا بِهِ حَالَ وُجُودِهِ، وَهُوَ حَالَ وُجُودِهِ ذُو عَدَدٍ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعْلِيقُ التَّشْبِيهِ بِوُجُودِهِ لِلْحَالِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ لِلْحَالِ، فَيَلْغُو التَّشْبِيهُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ مِثْلَ حَبَّةِ الْخَرْدَلِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ قَوْلَهُ: مِثْلُ الْجَبَلِ أَوْ مِثْلُ حَبَّةِ الْخَرْدَلِ يَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ فِي التَّوَحُّدِ؛ لِأَنَّ الْجَبَلَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ غَيْرُ مُتَعَدِّدٍ فَلَا تَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ بِالشَّكِّ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا التَّشْبِيهَ يَقْتَضِي زِيَادَةً لَا مَحَالَةَ وَأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذِي عَدَدٍ لِكَوْنِهِ وَاحِدًا فِي الذَّاتِ فَيُحْمَلُ عَلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الصِّفَةِ وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ فَيُحْمَلُ عَلَى الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ؛ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنُ بِهَا، وَلَوْ قَالَ مِثْلَ عِظَمِ الْجَبَلِ أَوْ قَالَ: مِثْلَ عِظَمِ كَذَا فَأَضَافَ ذَلِكَ إلَى صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ وَاحِدَةً وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهُوَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْجَبَلِ فِي الْعِظَمِ فَهَذَا يَقْتَضِي زِيَادَةً لَا مَحَالَةَ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الصَّرِيحُ ثُمَّ إنْ كَانَ قَدْ سَمَّى وَاحِدَةً تَعَيَّنَتْ الْوَاحِدَةُ الْبَائِنَةُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا لَا تَكُونُ إلَّا الْبَيْنُونَةَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ وَاحِدَةً احْتَمَلَ الزِّيَادَةَ فِي الصِّفَةِ وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ بِوَاحِدَةٍ أَوْ بِالثَّلَاثِ فَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ يَكُونُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يُحْمَلُ عَلَى الْوَاحِدَةِ لِكَوْنِهَا أَدْنَى وَالْأَدْنَى مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ شَكٌّ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ هَذَا وَهَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَإِنْ نَوَى بِهِ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً بَائِنَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَ الطَّلَاقَ بِمَا لَهُ عَدَدٌ فَيَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَيَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ فِي الصِّفَةِ وَهِيَ الشِّدَّةُ فَإِذَا نَوَى بِهِ الثَّلَاثَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ كَأَلْفٍ وَإِذَا نَوَى بِهِ الْوَاحِدَةَ كَانَتْ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّشْبِيهَ فِي الصِّفَةِ.
وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يُحْمَلُ عَلَى التَّشْبِيهِ مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ لِأَنَّهُ أَدْنَى وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الْكِنَايَةُ فَثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ: مِنْ الْكِنَايَاتِ رَوَاجِعُ بِلَا خِلَافٍ وَهِيَ قَوْلُهُ: اعْتَدِّي، وَاسْتَبِرِي رَحِمَك،