الْبِئْرِ ذَنَبُ فَأْرَةٍ يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ بِلَّةٍ فَيُجَاوِرُ أَجْزَاءَ الْمَاءِ فَيُفْسِدُهَا، هَذَا إذَا كَانَ الْوَاقِعُ وَاحِدًا فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَأْرَةِ وَنَحْوِهَا: يُنْزَحُ عِشْرُونَ إلَى الْأَرْبَعِ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا يُنْزَحُ أَرْبَعُونَ إلَى التِّسْعِ، فَإِذَا بَلَغَتْ عَشْرًا يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْفَأْرَتَيْنِ: يُنْزَحُ عِشْرُونَ، وَفِي الثَّلَاثِ أَرْبَعُونَ، وَإِذَا كَانَتْ الْفَأْرَتَانِ كَهَيْئَةِ الدَّجَاجِ يُنْزَحُ أَرْبَعُونَ.
هَذَا إذَا كَانَ الْوَاقِعُ فِي الْبِئْرِ حَيَوَانًا فَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ مِنْ الْأَنْجَاسِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَجْسِدًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَجْسِدٍ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَجْسِدٍ كَالْبَوْلِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ خَلَصَتْ إلَى جَمِيعِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَجْسِدًا، فَإِنْ كَانَ رَخْوًا مُتَخَلْخِلَ الْأَجْزَاءِ كَالْعَذِرَةِ وَخُرْءِ الدَّجَاجِ وَنَحْوِهِمَا يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا؛ لِأَنَّهُ لِرَخَاوَتِهِ يَتَفَتَّتُ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْمَاءِ فَتَخْتَلِطُ أَجْزَاؤُهُ بِأَجْزَاءِ الْمَاءِ فَيُفْسِدُهُ، وَإِنْ كَانَ صُلْبًا نَحْوَ بَعْرِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَنْجَسَ الْمَاءُ قَلَّ الْوَاقِعُ فِيهِ أَوْ كَثُرَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ إنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يَنْجَسُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يَنْجَسُ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ، وَالصَّحِيحِ وَالْمُنْكَسِرِ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ رَطْبًا يَنْجَسُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَإِنْ كَانَ مُنْكَسِرًا يَنْجَسُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْكَسِرًا لَا يَنْجَسُ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا، وَتَكَلَّمُوا فِي الْكَثِيرِ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يُغَطِّيَ جَمِيعَ وَجْهِ الْمَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رُبْعُ وَجْهِ الْمَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الثَّلَاثُ كَثِيرٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي بَعْرَةٍ أَوْ بَعْرَتَيْنِ وَقَعَتَا فِي الْمَاءِ لَا يَفْسُدُ الْمَاءُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّلَاثَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ كَثِيرٌ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ سَلَمَةَ: إنْ كَانَ لَا يَسْلَمُ كُلُّ دَلْوٍ عَنْ بَعْرَةٍ أَوْ بَعْرَتَيْنِ فَهُوَ كَثِيرٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْكَثِيرُ مَا اسْتَكْثَرَهُ النَّاظِرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ يَابِسًا لَا يَنْجَسُ صَحِيحًا كَانَ أَوْ مُنْكَسِرًا، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَ رَطْبًا وَهُوَ قَلِيلٌ لَا يَمْنَعُ لِلضَّرُورَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الرَّوْثِ الْيَابِسِ إذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ، ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَنْجَسُ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ لِلْمَشَايِخِ فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْبَعْرِ الْيَابِسِ الصَّحِيحِ طَرِيقَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: أَنَّ لِلْيَابِسِ صَلَابَةً، فَلَا يَخْتَلِطُ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ بِأَجْزَاءِ الْمَاءِ، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الرَّطْبَ يَنْجَسُ بِاخْتِلَاطِ رُطُوبَتِهِ بِأَجْزَاءِ الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ وَالْحَاكِمِ فِي الْإِشَارَاتِ، وَكَذَا الْيَابِسُ الْمُنْكَسِرُ لِمَا قُلْنَا وَكَذَا الرَّوْثُ، لِأَنَّهُ شَيْءٌ رَخْوٌ يُدَاخِلُهُ الْمَاءُ، لِتَخَلْخُلِ أَجْزَائِهِ فَتَخْتَلِطُ أَجْزَاؤُهُ بِأَجْزَاءِ الْمَاءِ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ الْيَابِسِ الصَّحِيحِ لَا يَنْجَسُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْكَثِيرَ يَنْجَسُ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَثُرَتْ تَقَعُ الْمُمَاسَّةُ بَيْنَهُمَا؛ فَيَصْطَكُّ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ فَتَتَفَتَّتُ أَجْزَاؤُهَا فَتَنْجَسُ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ آبَارَ الْفَلَوَاتِ لَا حَاجِزَ لَهَا عَلَى رُءُوسِهَا، وَيَأْتِيهَا الْأَنْعَامُ فَتُسْقَى فَتَبْعَرُ، فَإِذَا يَبِسَتْ الْأَبْعَارُ عَمِلَتْ فِيهَا الرِّيحُ فَأَلْقَتْهَا فِي الْبِئْرِ،
فَلَوْ حُكِمَ بِفَسَادِ الْمِيَاهِ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى سُكَّانِ الْبَوَادِي
، وَمَا ضَاقَ أَمْرُهُ اتَّسَعَ حُكْمُهُ، فَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ: الْكَثِيرُ مِنْهُ يُفْسِدُ الْمِيَاهَ؟ لِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ فِي الْكَثِيرِ، وَكَذَا الرَّطْبُ؛ لِأَنَّ الرِّيحَ تَعْمَلُ فِي الْيَابِسِ دُونَ الرَّطْبِ لِثِقَلِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ سَوَاءٌ؛ لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ فِي الْجُمْلَةِ، فَأَمَّا الْيَابِسُ الْمُنْكَسِرُ فَلَا يَفْسُدُ إذَا كَانَ قَلِيلًا؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي الْمُنْكَسِرِ أَشَدُّ، وَالرَّوْثُ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَتَقَدَّرُ بِهَذِهِ الضَّرُورَةِ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْبَعْرِ، هَذَا فِي آبَارِ الْفَلَوَاتِ، (وَأَمَّا) الْآبَارُ الَّتِي فِي الْمِصْرِ فَاخْتَلَفَ فِيهَا الْمَشَايِخُ، فَمَنْ اعْتَمَدَ مَعْنَى الصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةَ لَا يُفَرِّقُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ وَمَنْ اعْتَبَرَ الضَّرُورَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ آبَارَ الْأَمْصَارِ لَهَا رُءُوسٌ حَاجِزَةٌ فَيَقَعُ الْأَمْنُ عَنْ الْوُقُوعِ فِيهَا، وَلَوْ انْفَصَلَتْ بَيْضَةٌ مِنْ دَجَاجَةٍ فَوَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ مِنْ سَاعَتِهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، فِيهِ قَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى: يُنْتَفَعُ بِالْمَاءِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهَا قَذَرًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَتْ رَطْبَةً أَفْسَدَتْ، وَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً فَوَقَعَتْ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي الْمَرَقَةِ لَا تُفْسِدُهُمَا، وَهِيَ حَلَالٌ اشْتَدَّ قِشْرُهَا أَوْ لَمْ يَشْتَدَّ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: إنْ اشْتَدَّ قِشْرُهَا تَحِلُّ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ، سَقَطَتْ السَّخْلَةُ مِنْ أُمِّهَا وَهِيَ مُبْتَلَّةٌ فَهِيَ نَجِسَةٌ، حَتَّى لَوْ حَمَلَهَا الرَّاعِي فَأَصَابَ بَلَلُهَا الثَّوْبَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ جَوَازَ الصَّلَاةِ، وَلَوْ وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَفْسَدَتْ الْمَاءَ، وَإِذَا يَبِسَتْ فَقَدْ طَهُرَتْ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ مُوَافِقُ قَوْلِهِمَا، فَأَمَّا فِي قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْبَيْضَةُ طَاهِرَةٌ، رَطْبَةً كَانَتْ أَوْ يَابِسَةً، وَكَذَا السَّخْلَةُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي مَكَانِهَا وَمَعْدِنِهَا كَمَا قَالَ فِي