فَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالدُّخُولِ وَبَقِيَ الْقَذْفُ مُتَحَقِّقًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَا عَمْرَةُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ صَحَّ التَّعْلِيقُ؟ وَلَمْ يَصِرْ قَوْلُهُ يَا عَمْرَةُ فَاصِلًا كَذَا هَهُنَا.

(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالشَّرْطِ قَدْ صَحَّ لِمَا مَرَّ فِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ وَالْقَذْفُ لَمْ يَتَحَقَّقْ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَقِيبَهُ الشَّرْطَ، وَالْقَذْفُ مَتَى عُلِّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَقْصِدُ الْإِنْسَانُ تَحْقِيقَهُ لِلْحَالِ وَالِيًا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ عَلَى مَا مَرَّ، وَكَانَ الْقَاضِي الْجَلِيلُ يَقُولُ تَعْلِيقُ الْقَذْفِ بِالشَّرْطِ يَكُونُ تَبْعِيدًا لِلْقَذْفِ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتُهُ زَانِيَةٌ أَوْ أُمُّهُ زَانِيَةٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَبْعِيدَ الْفِعْلِ وَلَنْ يَتَحَقَّقَ تَبْعِيدُ الْفِعْلِ إلَّا بِتَبْعِيدِ الِاتِّصَافِ بِالزِّنَا عَنْ أُمِّهِ وَامْرَأَتِهِ وَبِمِثْلِ هَذَا يَحْصُلُ الْوَصْفُ بِالْإِحْصَانِ دُونَ الْوَصْفِ بِالزِّنَا وَإِلْحَاقِ الْعَارِ بِهِ - وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ - وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَلَوْ كَانَ النِّدَاءُ بِالطَّلَاقِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَا طَالِقُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ هَذَا أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ النِّدَاءِ بِالزِّنَا بِقَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ وَيَقُولُ يَقَعُ الطَّلَاقُ مُنَجَّزًا بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ يَا طَالِقُ فَاصِلًا، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ قَوْلَهُ يَا طَالِقُ وَإِنْ كَانَ نِدَاءً فَهُوَ إيقَاعُ الطَّلَاقِ فَكَانَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ يَا طَالِقُ إيقَاعًا عَقِيبَ إيقَاعٍ مِنْ غَيْرِ عَطْفِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ وَالشَّرْطُ اتَّصَلَ بِآخِرِ الْإِيقَاعَيْنِ دُونَ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا فَبَقِيَ الْأَوَّلُ تَنْجِيزًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ فَإِنَّهُ نِدَاءٌ وَتَأْكِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَاءِ الْخِطَابِ لَا إيقَاعٌ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ فَلَمْ يَصِرْ حَائِلًا فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَعَلُّقِ الشَّرْطِ بِالْجَزَاءِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ هَذَا أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كَانَ النِّدَاءُ بِالْعَلَمِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَا عَمْرَةُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَهَهُنَا يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالشَّرْطِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَبُو يُوسُفَ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ يَا عَمْرَةُ لَا يُفِيدُ إلَّا مَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ أَنْتِ فَكَانَ تَأْكِيدًا لَهُ فَالْتَحَقَ بِهِ فَلَمْ يَصِرْ فَاصِلًا.

(وَأَمَّا) قَوْلُهُ يَا زَانِيَةُ فَفِيهِ زِيَادَةُ أَمْرٍ لَا تُفِيدُهُ تَاءُ الْخِطَابِ وَهُوَ إثْبَاتُ وَصْفِ الزِّنَا وَيَتَعَلَّقُ بِهِ شَرْعًا حُكْمٌ وَهُوَ الْحَدُّ أَوْ اللِّعَانُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ تَكْرَارًا لِلتَّاءِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْخِطَابِ فَكَانَ مُعْتَبَرًا فِي نَفْسِهِ فَلَمْ يَصِرْ مُلْتَحِقًا بِتَاءِ الْخِطَابِ فَبَقِيَ فَاصِلًا،.

فَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِخِلَافِهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَا عَمْرَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِمَا مَرَّ، هَذَا إذَا أَتَى بِالنِّدَاءِ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ أَوْ وَسَطِهِ،.

فَأَمَّا إذَا أَتَى بِهِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ أَمَّا فِي النِّدَاءِ بِالزِّنَا بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ يَا زَانِيَةُ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالدُّخُولِ ثُمَّ نَادَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَصَارَ قَاذِفًا وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الْقَذْفِ شَرْطٌ لِيُقَالَ أَنَّهُ قَصَدَ تَعْلِيقَ الْقَذْفِ بَعْدَ تَحْقِيقِهِ.

وَكَذَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَا زَانِيَةُ بَطَلَ الطَّلَاقُ وَتَحَقَّقَ الْقَذْفُ، وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ يَا طَالِقُ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ بِالدُّخُولِ وَوَقَعَ بِقَوْلِهِ يَا طَالِقُ طَلَاقٌ لِدُخُولِ الشَّرْطِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ قَوْلِهِ يَا طَالِقُ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَا طَالِقُ.

وَكَذَا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ يَا عَمْرَةُ، فَهَذَا رَجُلٌ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِدُخُولِ الدَّارِ ثُمَّ نَادَاهَا وَنَبَّهَهَا بِالنِّدَاءِ عَلَى الْيَمِينِ وَالْخِطَابِ فَصَحَّ التَّعْلِيقُ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَا عَمْرَةُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِمَا مَرَّ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ وَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَعَلَيْهِ الْحَدُّ أَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّ قَوْلَهُ يَا زَانِيَةُ نِدَاءٌ فَلَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْعَدَدِ وَهُوَ قَوْلُهُ ثَلَاثًا وَبَيْنَ أَصْلِ الْإِيقَاعِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا لَمْ يَفْصِلْ فَيُوقَفْ الْوُقُوعُ عَلَى آخِرِ الْكَلَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ ثَلَاثًا فَتَبِينُ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ اللِّعَانِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ يَا زَانِيَةُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْإِيقَاعِ وَالْعَدَدِ فَبَانَتْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَصَادَفَهَا قَوْلُهُ يَا زَانِيَةُ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَيَلْغُو قَوْلُهُ ثَلَاثًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْمَدْخُولَ بِهَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ ثَلَاثًا أَنَّهَا تَبِينُ بِثَلَاثٍ وَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّا وَإِنْ اعْتَبَرْنَا قَوْلَهُ يَا زَانِيَةُ فَاصِلًا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ إلْحَاقَ الثَّلَاثِ بِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ فَقِيلَ لَهُ كَمْ؟ فَقَالَ: ثَلَاثًا فَكَذَا إذَا فُصِلَ بِقَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إذَا قَالَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَمَاتَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَهَذَا بَاطِلٌ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ لِأَنَّ الْعَدَدَ إذَا قُرِنَ بِالتَّطْلِيقِ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْعَدَدَ وَهِيَ عِنْدَ ذَلِكَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، وَالشَّرْطُ إذَا لَحِقَ بِآخِرِ الْكَلَامِ يَتَوَقَّفُ أَوَّلُ الْكَلَامِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015