يُمْكِنُ شَرْطُ صِحَّةٍ أُخْرَى فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْحَيْضِ وَالْمَرَضِ فَتَقَعُ يَمِينُهُ عَلَى مَا يَحْدُثُ عَقِيبَ الْكَلَامِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا قُمْتِ أَوْ قَعَدْتِ أَوْ رَكِبْتِ أَوْ لَبِسْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهِيَ قَائِمَةٌ أَوْ قَاعِدَةٌ أَوْ رَاكِبَةٌ أَوْ لَابِسَةٌ أَنَّهُ إذَا مَكَثَ سَاعَةً بَعْدَ الْيَمِينِ مِقْدَارَ مَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِهَا حَنِثَ وَكَذَلِكَ السُّكْنَى إذَا لَمْ يَأْخُذْ فِي النَّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ لِأَنَّ الدَّوَامَ عَلَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ يُعْنَى بِهِ تَجَدُّدُ أَمْثَالِهَا يُسَمَّى بِاسْمِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ فَقَدْ وُجِدَ مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ عَقِيبَ الْيَمِينِ فَيَحْنَثُ.

وَأَمَّا الدُّخُولُ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى دُخُولٍ مُسْتَقْبَلٍ فَإِنْ نَوَى الَّذِي هُوَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الدُّخُولَ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ خَارِجٍ إلَى دَاخِلٍ وَهَذَا لَا يَحْتَمِلُ التَّجَدُّدَ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْمُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ أَعْنِي الثَّانِيَ فِي زَمَانِ وُجُودِهِ.

وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا إنْ خَرَجْتِ وَهِيَ خَارِجَةٌ لِأَنَّ الْخُرُوجَ ضِدُّ الدُّخُولِ وَهُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ وَأَنَّهُ لَا يَتَجَدَّدُ فِي الثَّانِي مِنْ زَمَانِ وُجُودِهِ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْمُ بِخِلَافِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوبِ وَاللِّبْسِ وَنَحْوِهِمَا يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّهُ يُقَالُ قُمْتُ يَوْمًا وَرَكِبْتُ يَوْمًا وَلَبِسْتُ يَوْمًا وَلَا يُقَالُ دَخَلْتُ الدَّارَ يَوْمًا وَلَا خَرَجْتُ مِنْ الدَّارِ يَوْمًا عَلَى إرَادَةِ الْمُكْثِ، وَكَذَلِكَ الْحَبَلُ - إذَا قَالَ لِلْحُبْلَى إذَا حَبِلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَذَا يَقَعُ عَلَى حَبَلٍ مُسْتَقْبَلٍ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ ابْتِدَاءُ الْعُلُوقِ عُرْفًا وَعَادَةً، وَلَوْ قَالَ إنْ أَكَلْت أَوْ ضَرَبْتُ فَهُوَ عَلَى الْحَادِثِ، كُلُّ شَيْءٍ أَكَلَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ أَوْ ضَرَبَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الضَّرْبَ يَتَجَدَّدُ.

وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ تَحِيضِي أَوْ مَا لَمْ تَحْبَلِي وَهِيَ حُبْلَى أَوْ حَائِضٌ فِي حَالِ الْحَلِفِ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ سَكَتَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهَا حِينَ سَكَتَ لِأَنَّهُ جَعَلَ حُدُوثَ الْحَيْضِ وَالْحَبَلِ شَرْطَ الْبِرِّ فَمَا لَمْ يُوجَدْ عَقِيبَ الْيَمِينِ يَحْنَثُ وَإِنْ عَنَى بِهِ مَا فِيهِ مِنْ الْحَيْضِ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَدِينُ فِي الْحَبَلِ لِأَنَّ الْحَيْضَ ذُو أَجْزَاءٍ فَجَازَ أَنْ يُسَمَّى مَا يَحْدُثُ مِنْ أَجْزَائِهِ بِاسْمِ الِابْتِدَاءِ،.

فَأَمَّا الْحَبَلُ فَلَيْسَ بِذِي أَجْزَاءٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَيْضَ يَزْدَادُ وَالْحَبَلُ لَيْسَ بِمَعْنًى يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ فَلَا يُصَدَّقُ أَصْلًا - وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ -.

(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ حَقِيقَةً لَا عَادَةَ هُوَ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ حَقِيقَةً لَا يَنْعَقِدُ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ اجْتَمَعَ الضِّدَّانِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُذْكَرُ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ أَيْ طَلَاقُك أَمْرٌ لَا يَكُونُ أَصْلًا وَرَأْسًا كَمَا لَا يَلِجُ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَلَا يَجْتَمِعُ الضِّدَّانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] أَيْ لَا يَدْخُلُونَهَا رَأْسًا وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا وَلَا مَاءَ فِي الْكُوزِ وَفُلَانٌ مَيِّتٌ وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُ بِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا جُمْلَةَ هَذَا وَتَفْصِيلَهُ وَمَا فِيهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهِ وَعَتَاقِهِ فَقِيَامُ الْمِلْكِ فِيهِ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ أَوْ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ، وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَذْكُرُ ذَلِكَ كُلَّهُ.

(وَأَمَّا) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ فَمَا ذَكَرْنَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ عَدَمُ إدْخَالِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِ فَإِذَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءَ أَبْطَلَهُ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ قَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَوْ قَالَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ قَالَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ أَوْ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِقُدْرَتِهِ وَلَوْ قَالَ إنْ أَعَانَنِي اللَّهُ أَوْ بِمَعُونَةِ اللَّهِ وَأَرَادَ بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ يَكُونُ مُسْتَثْنِيًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ الشَّيْءَ بَعْدَ وُجُودِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْإِعَانَةَ عَلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ فَيُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إنْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ قَالَ بِتَيْسِيرِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَنَوَى الِاسْتِثْنَاءَ،.

وَسَنَذْكُرُ شَرَائِطَ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَنَذْكُرُ أَنَّ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مَوْصُولًا بِالْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَصْلُ لِضَرُورَةٍ وَعَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَاعْلَمِي ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِي أَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فَلَا تَطْلُقُ وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الدَّارِ لِأَنَّ حَرْفَ الْفَاءِ حَرْفُ عَطْفٍ فَيَقْتَضِي تَعَلُّقَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَيَصِيرُ الْكُلُّ كَلَامًا وَاحِدًا فَلَا يَكُونُ فَاصِلًا، وَإِنْ قَالَ اعْلَمِي ذَلِكَ أَوْ اذْهَبِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْمَذْكُورِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَلَامًا مُبْتَدَأً فَكَانَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015