فَلَا يَصِحُّ يَمِينُ الْكَافِرِ وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ حَلَفَ الْكَافِرُ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَنِثَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إلَّا أَنَّهُ إذَا حَنِثَ فِي حَالِ الْكُفْرِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالصَّوْمِ بَلْ بِالْمَالِ.

وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ الْكَافِرَ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ فِي الدَّعَاوَى وَالْخُصُومَاتِ وَكَذَا يَصِحُّ إيلَاؤُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَمَا انْعَقَدَ كَإِيلَاءِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ.

وَكَذَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَالْمُسْلِمِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ.

(وَلَنَا) أَنَّ الْكَفَّارَةَ عِبَادَةٌ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ عِبَادَةٌ أَنَّهَا لَا تَتَأَدَّى بِدُونِ النِّيَّةِ وَكَذَا لَا تَسْقُطُ بِأَدَاءِ الْغَيْرِ عَنْهُ وَهُمَا حُكْمَانِ مُخْتَصَّانِ بِالْعِبَادَاتِ إذْ غَيْرُ الْعِبَادَةِ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ وَلَا يَخْتَصُّ سُقُوطُهُ بِأَدَاءِ مَنْ عَلَيْهِ كَالدُّيُونِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ لِلصَّوْمِ فِيهَا مَدْخَلًا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَبَدَلُ الْعِبَادَةِ يَكُونُ عِبَادَةً وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَاتِ فَلَا تَجِبُ بِيَمِينِهِ الْكَفَّارَةُ فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ كَيَمِينِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَإِنَّمَا يُسْتَحْلَفُ فِي الدَّعَاوَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِحْلَافِ التَّحَرُّجُ عَنْ الْكَذِبِ كَالْمُسْلِمِ فَاسْتَوَيَا فِيهِ وَإِنَّمَا يُفَارِقُ الْمُسْلِمَ فِيمَا هُوَ عِبَادَةٌ وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْإِيلَاء إنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَتَضَمَّنُ حُكْمَيْنِ: وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْقُرْبَانِ، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ إذَا لَمْ يَقْرَبْهَا فِي الْمُدَّةِ، وَالْكَفَّارَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ الْكَافِرُ، وَالطَّلَاقُ حَقُّ الْعَبْدِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ.

وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَتَصِحُّ يَمِينُ الْمَمْلُوكِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ الْكَفَّارَةُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الصَّوْمِ وَكَذَا كُلُّ صَوْمٍ وَجَبَ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِ الْوُجُوبِ مِنْ الْعَبْدِ كَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَتَضَرَّر بِصَوْمِهِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ الْإِضْرَارَ بِالْمَوْلَى وَلَوْ أُعْتِقَ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ أَهْلِيَّةَ الْمِلْكِ بِالْعِتْقِ وَكَذَا الطَّوَاعِيَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا فَيَصِحُّ مِنْ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ وَكُلِّ تَصَرُّفٍ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْإِكْرَاهِ وَكَذَا الْجَدُّ وَالْعَمْدُ فَتَصِحُّ مِنْ الْخَاطِئِ وَالْهَازِلِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.

(وَأَمَّا) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ حَقِيقَةً عِنْدَ الْحَلِفِ هُوَ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَبَقَاؤُهَا أَيْضًا مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ حَقِيقَةً بَعْدَ الْيَمِينِ شَرْطُ بَقَاءِ الْيَمِينِ حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ الْيَمِينُ عَلَى مَا هُوَ مُسْتَحِيلُ الْوُجُودِ حَقِيقَةً وَلَا يَبْقَى إذَا صَارَ بِحَالٍ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ وَلَا لِبَقَائِهَا وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَأَمَّا كَوْنُهُ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ عَادَةً فَهَلْ هُوَ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ؟ .

قَالَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَنْعَقِدُ عَلَى مَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ عَادَةً بَعْدَ أَنْ كَانَ لَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ حَقِيقَةً.

وَقَالَ زُفَرُ: هُوَ شَرْطٌ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِدُونِهِ وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ فَإِذَا لَا مَاءَ فِيهِ لَمْ تَنْعَقِدْ الْيَمِينُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لِعَدَمِ شَرْطِ الِانْعِقَادِ وَهُوَ تَصَوُّرُ شُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَنْعَقِدُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْإِضَافَةُ إلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مَاءَ فِيهِ تَنْعَقِدُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تَنْعَقِدُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا وَقَّتَ وَقَالَ وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَلَا مَاءَ فِي الْكُوزِ أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَنْعَقِدُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ فُلَانًا وَفُلَانٌ مَيِّتٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِمَوْتِهِ أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ عِنْدَهُمْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِمَوْتِهِ تَنْعَقِدُ عِنْدَهُمْ خِلَافًا لِزُفَرَ.

وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَمَسَّنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَأُحَوِّلَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا تَنْعَقِدُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تَنْعَقِدُ، أَمَّا الْكَلَامُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فَوَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ الْحَالِفَ جَعَلَ شَرْطَ عَدَمِ حِنْثِهِ الْقَتْلَ وَالشُّرْبَ فِي الْمُطْلَقِ وَفِي الْمُوَقِّتِ عَدَمَ الشُّرْبِ فِي الْمُدَّةِ وَقَدْ تَأَكَّدَ الْعَدَمُ فَتَأَكَّدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَحْنَثُ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَمَسَّنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَأُحَوِّلَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا وَلَهُمَا أَنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ لِلْبِرِّ؛ لِأَنَّ الْبِرَّ هُوَ مُوجِبُ الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ الْيَمِينِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى يَقْصِدُ بِيَمِينِهِ تَحْقِيقَ الْبِرِّ وَالْوَفَاءِ بِمَا عَهِدَ وَإِنْجَازَ مَا وَعَدَ ثُمَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015