وَاحِدٍ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ حَرَائِرَ؛ لِأَنَّ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ، وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةً وَاحِدَةً، فَلَمَّا لَمْ يَتَزَوَّجْ، فَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَكَانَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ؛ صَرَفَ ذَلِكَ إلَى الزَّوْجَاتِ، وَإِنْ شَاءَ؛ صَرَفَهُ إلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَإِلَى أَشْغَالِ نَفْسِهِ، وَالْإِشْكَالُ عَلَيْهِ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا ذَكَرَهُ الْجَصَّاصُ أَيْضًا، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ.

[فَصْلٌ وُجُوبُ طَاعَةِ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ إذَا دَعَاهَا إلَى الْفِرَاشِ]

(فَصْلٌ) :

وَمِنْهَا، وُجُوبُ طَاعَةِ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ إذَا دَعَاهَا إلَى الْفِرَاشِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] قِيلَ: لَهَا الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ، وَعَلَيْهَا أَنْ تُطِيعَهُ فِي نَفْسِهَا، وَتَحْفَظَ غَيْبَتَهُ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِتَأْدِيبِهِنَّ بِالْهَجْرِ وَالضَّرْبِ عِنْدَ عَدَمِ طَاعَتِهِنَّ، وَنَهَى عَنْ طَاعَتِهِنَّ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} [النساء: 34] ، فَدَلَّ أَنَّ التَّأْدِيبَ كَانَ لِتَرْكِ الطَّاعَةِ، فَيَدُلُّ عَلَى لُزُومِ طَاعَتِهِنَّ الْأَزْوَاجَ.

[فَصْلٌ وِلَايَةُ التَّأْدِيبِ لِلزَّوْجِ إذَا لَمْ تُطِعْهُ]

(فَصْلٌ) :

وَمِنْهَا وِلَايَةُ التَّأْدِيبِ لِلزَّوْجِ إذَا لَمْ تُطِعْهُ فِيمَا يَلْزَمُ طَاعَتُهُ بِأَنْ كَانَتْ نَاشِزَةً، فَلَهُ أَنْ يُؤَدِّبَهَا لَكِنْ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَيَعِظُهَا أَوَّلًا عَلَى الرِّفْقِ وَاللِّينِ بِأَنْ يَقُولَ لَهَا كُونِي مِنْ الصَّالِحَاتِ الْقَانِتَاتِ الْحَافِظَاتِ لِلْغَيْبِ وَلَا تَكُونِي مِنْ كَذَا وَكَذَا، فَلَعَلَّ تَقْبَلُ الْمَوْعِظَةَ، فَتَتْرُكُ النُّشُوزَ، فَإِنْ نَجَعَتْ فِيهَا الْمَوْعِظَةُ، وَرَجَعَتْ إلَى الْفِرَاشِ وَإِلَّا هَجَرَهَا.

وَقِيلَ يُخَوِّفُهَا بِالْهَجْرِ أَوَّلًا وَالِاعْتِزَالِ عَنْهَا، وَتَرْكِ الْجِمَاعِ وَالْمُضَاجَعَةِ، فَإِنْ تَرَكَتْ وَإِلَّا هَجَرَهَا لَعَلَّ نَفْسَهَا لَا تَحْتَمِلُ الْهَجْرَ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ الْهَجْرِ قِيلَ يَهْجُرُهَا بِأَنْ لَا يُجَامِعَهَا، وَلَا يُضَاجِعَهَا عَلَى فِرَاشِهِ، وَقِيلَ يَهْجُرُهَا بِأَنْ لَا يُكَلِّمَهَا فِي حَالِ مُضَاجَعَتِهِ إيَّاهَا لَا أَنْ يَتْرُكَ جِمَاعَهَا وَمُضَاجَعَتَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ مَا عَلَيْهَا، فَلَا يُؤَدِّبَهَا بِمَا يَضُرُّ بِنَفْسِهِ، وَيُبْطِلُ حَقَّهُ، وَقِيلَ يَهْجُرُهَا بِأَنْ يُفَارِقَهَا فِي الْمَضْجَعِ، وَيُضَاجِعَ أُخْرَى فِي حَقِّهَا وَقَسْمِهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهَا عَلَيْهِ فِي الْقَسْمِ فِي حَالِ الْمُوَافَقَةِ وَحِفْظِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي حَالِ التَّضْيِيعِ وَخَوْفِ النُّشُوزِ وَالتَّنَازُعِ وَقِيلَ يَهْجُرُهَا بِتَرْكِ مُضَاجَعَتِهَا، وَجِمَاعِهَا لِوَقْتِ غَلَبَةِ شَهْوَتِهَا، وَحَاجَتِهَا لَا فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ هَذَا لِلتَّأْدِيبِ وَالزَّجْرِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَدِّبَهَا لَا أَنْ يُؤَدِّبَ نَفْسَهُ بِامْتِنَاعِهِ عَنْ الْمُضَاجَعَةِ فِي حَالِ حَاجَتِهِ إلَيْهَا، فَإِذَا هَجَرَهَا، فَإِنْ تَرَكَتْ النُّشُوزَ، وَإِلَّا ضَرَبَهَا عِنْدَ ذَلِكَ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَا شَائِنٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] ، فَظَاهِرُ الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ بِحَرْفِ الْوَاوِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْجَمْعُ عَلَى سَبِيلِ التَّرْتِيبِ، وَالْوَاوُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ، فَإِنْ نَفَعَ الضَّرْبُ، وَإِلَّا رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي لِيُوَجِّهَ إلَيْهِمَا حَكَمَيْنِ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ، وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] ، وَسَبِيلُ هَذَا سَبِيلُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فِي حَقِّ سَائِرِ النَّاسِ أَنَّ الْآمِرَ يَبْدَأُ بِالْمَوْعِظَةِ عَلَى الرِّفْقِ وَاللِّينِ دُونَ التَّغْلِيظِ فِي الْقَوْلِ، فَإِنْ قَبِلَتْ، وَإِلَّا غَلَّظَ الْقَوْلَ بِهِ، فَإِنْ قُبِلَتْ، وَإِلَّا بَسَطَ يَدَهُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا ارْتَكَبَتْ مَحْظُورًا سِوَى النُّشُوزِ لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ، فَلِلزَّوْجِ أَنْ يُؤَدِّبَهَا تَعْزِيرًا لَهَا؛ لِأَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُعَزِّرَ زَوْجَتَهُ كَمَا لِلْمَوْلَى أَنْ يُعَزِّرَ مَمْلُوكَهُ.

[فَصْلٌ الْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ]

(فَصْلٌ) :

وَمِنْهَا الْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَمُسْتَحَبٌّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] قِيلَ هِيَ الْمُعَاشَرَةُ بِالْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ قَوْلًا وَفِعْلًا وَخُلُقًا قَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» ، وَقِيلَ الْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ هِيَ أَنْ يُعَامِلَهَا بِمَا لَوْ فُعِلَ بِك مِثْلُ ذَلِكَ لَمْ تُنْكِرْهُ بَلْ تَعْرِفُهُ، وَتَقْبَلُهُ وَتَرْضَى بِهِ، وَكَذَلِكَ مِنْ جَانِبِهَا هِيَ مَنْدُوبَةٌ إلَى الْمُعَاشَرَةِ الْجَمِيلَةِ مَعَ زَوْجِهَا بِالْإِحْسَانِ بِاللِّسَانِ، وَاللُّطْفِ فِي الْكَلَامِ، وَالْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي يَطِيبُ بِهِ نَفْسُ الزَّوْجِ، وَقِيلَ فِي، قَوْله تَعَالَى {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِنَّ مِنْ حَيْثُ الْفَضْلُ وَالْإِحْسَانُ هُوَ أَنْ يُحْسِنَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ بِالْبِرِّ بِاللِّسَانِ، وَالْقَوْلِ بِالْمَعْرُوفِ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.

وَيُكْرَهُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَعْزِلَ عَنْ امْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ بِغَيْرِ رِضَاهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ عَنْ إنْزَالٍ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْوَلَدِ، وَلَهَا فِي الْوَلَدِ حَقٌّ، وَبِالْعَزْلِ يَفُوتُ الْوَلَدُ، فَكَأَنَّهُ سَبَبًا لِفَوَاتِ حَقِّهَا، وَإِنْ كَانَ الْعَزْلُ بِرِضَاهَا لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِفَوَاتِ حَقِّهَا، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «اعْزِلُوهُنَّ أَوْ لَا تَعْزِلُوهُنَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَرَادَ خَلْقَ نَسَمَةٍ، فَهُوَ خَالِقُهَا» إلَّا أَنَّ الْعَزْلَ حَالَ عَدَمِ الرِّضَا صَارَ مَخْصُوصًا، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةَ الْغَيْرِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْعَزْلُ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ رِضَا لَكِنْ يُحْتَاجُ إلَى رِضَاهَا أَوْ رِضَا مَوْلَاهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْإِذْنُ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015