الْوَطْءِ بِاخْتِيَارِهِ، فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُ حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةُ الْعِنِّينِ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ؛ لَا يُؤَجَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَرْأَةِ فِي الْوَطْءِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنْ الْوَطْءِ، فَلَا مَعْنَى لِلتَّأْجِيلِ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا لَا يُجَامِعُ مِثْلُهُ، وَالْمَرْأَةُ كَبِيرَةٌ، وَلَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ، فَطَالَبَتْ بِالتَّأْجِيلِ لَا يُؤَجَّلُ بَلْ يُنْتَظَرُ إلَى أَنْ يُدْرِكَ، فَإِذَا أَدْرَكَ يُؤَجَّلُ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُجَامِعُ لَا يُفِيدُ التَّأْجِيلُ، وَلِأَنَّ حُكْمَ التَّأْجِيلِ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا فِي الْمُدَّةِ هُوَ ثُبُوتُ خِيَارِ الْفُرْقَةِ، وَفُرْقَةُ الْعِنِّينِ طَلَاقٌ، وَالصَّبِيُّ لَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ؛ وَلِأَنَّ لِلصَّبِيِّ زَمَانًا يُوجَدُ مِنْهُ الْوَطْءُ فِيهِ ظَاهِرًا وَغَالِبًا، وَهُوَ مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَلَا يُؤَجَّلُ لِلْحَالِ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ كَبِيرًا مَجْنُونًا، فَوَجَدَتْهُ عِنِّينًا قَالُوا: إنَّهُ لَا يُؤَجَّلُ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِلتَّفْرِيقِ عِنْدَ عَدَمِ الدُّخُولِ، وَفُرْقَةُ الْعِنِّينِ طَلَاقٌ، وَالْمَجْنُونُ لَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُنْتَظَرُ حَوْلًا، وَلَا يُنْتَظَرُ إلَى إفَاقَتِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الصِّغَرَ مَانِعٌ مِنْ الْوُصُولِ، فَيُسْتَأْنَى إلَى أَنْ يَزُولَ الصِّغَرُ، ثُمَّ يُؤَجَّلُ سَنَةً.
فَأَمَّا الْجُنُونُ، فَلَا يَمْنَعُ الْوُصُولَ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ يُجَامِعُ، فَيُؤَجَّلُ لِلْحَالِ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا يُؤَجَّلُ أَصْلًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِذَا مَضَى أَجَلُ الْعِنِّينِ، فَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يُؤَجِّلَهُ سَنَةً أُخْرَى لَمْ يَفْعَلْ إلَّا بِرِضَا الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهَا حَقُّ التَّفْرِيقِ، وَفِي التَّأْجِيلِ تَأْخِيرُ حَقِّهَا، فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا، ثُمَّ إذَا أُجِّلَ الْعِنِّينُ سَنَةً، وَتَمَّتْ الْمُدَّةُ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ، وَصَلَ إلَيْهَا، فَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَلَا خِيَارَ لَهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا، وَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا، وَادَّعَى الزَّوْجُ الْوُصُولَ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ ثَيِّبًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ وَقَعَ لِلنِّسَاءِ شَكٌّ فِي أَمْرِهَا، فَإِنَّهَا تُمْتَحَنُ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي طَرِيقِ الِامْتِحَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ: تُؤْمَرُ بِأَنْ تَبُولَ عَلَى الْجِدَارِ، فَإِنْ أَمْكَنَهَا بِأَنْ تَرْمِيَ بِبَوْلِهَا عَلَى الْجِدَارِ، فَهِيَ بِكْرٌ، وَإِلَّا فَهِيَ ثَيِّبٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُمْتَحَنُ بِبَيْضَةِ الدِّيكِ، فَإِنْ وَسِعَتْ فِيهَا، فَهِيَ ثَيِّبٌ، وَإِنْ لَمْ تَسَعْ فِيهَا، فَهِيَ بِكْرٌ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا إمَّا بِاعْتِرَافِهِ، وَإِمَّا بِظُهُورِ الْبَكَارَةِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُخَيِّرُهَا، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خَيَّرُوا امْرَأَةَ الْعِنِّينِ، وَلَنَا فِيهِمْ قُدْوَةٌ، فَإِنْ شَاءَتْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ، وَإِنْ شَاءَتْ اخْتَارَتْ الزَّوْجَ إذَا اُسْتُجْمِعَتْ شَرَائِطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ، فَيَقَعُ الْكَلَامُ فِي الْخِيَارِ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ شَرَائِطِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْخِيَارِ، وَفِي بَيَانِ مَا يُبْطِلُهُ.
(فَصْلٌ) :
أَمَّا شَرَائِطُ الْخِيَارِ، فَمِنْهَا عَدَمُ الْوُصُولِ إلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَصْلًا وَرَأْسًا فِي هَذَا النِّكَاحِ حَتَّى لَوْ وَصَلَ إلَيْهَا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهَا حَقُّهَا بِالْوَطْءِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْخِيَارُ لِتَفْوِيتِ الْحَقِّ الْمُسْتَحَقِّ، وَلَمْ يُوجَدْ، فَإِنْ وَصَلَ إلَى غَيْرِ امْرَأَتِهِ الَّتِي أُجِّلَ لَهَا، وَكَانَ وَصَلَ إلَى غَيْرِهَا قَبْلَ أَنْ تُرَافِعَهُ، فَوُصُولُهُ إلَى غَيْرِهَا لَا يُبْطِلُ حَقَّهَا فِي التَّأْجِيلِ وَالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا حَقُّهَا، فَكَانَ لَهَا التَّأْجِيلُ، وَالْخِيَارُ وَمِنْهَا أَنْ لَا تَكُونَ عَالِمَةً بِالْعَيْبِ وَقْتَ النِّكَاحِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ، وَهِيَ تَعْلَمُ أَنَّهُ عِنِّينٌ، فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ عَالِمَةً بِالْعَيْبِ لَدَى التَّزْوِيجِ، فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْعَيْبِ كَالْمُشْتَرِي إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْعَيْبِ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَالرِّضَا بِالْعَيْبِ يَمْنَعُ الرَّدَّ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ، وَهِيَ لَا تَعْلَمُ، فَوَصَلَ إلَيْهَا مَرَّةً، ثُمَّ عُنَّ، فَفَارَقَتْهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا، فَلَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَمْ يَتَحَقَّقْ، فَلَمْ تَكُنْ رَاضِيَةً بِالْعَيْبِ، وَالْوُصُولُ فِي أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ لَا يُبْطِلُ حَقَّهَا فِي الْعَقْدِ الثَّانِي، فَإِنْ أَجَّلَهُ الْقَاضِي، فَلَمْ يَصِلْ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ تَقَرَّرَ بِعَدَمِ الْوُصُولِ فِي الْمُدَّةِ، فَتَقَرَّرَ الْعَجْزُ، فَكَانَ التَّزَوُّجُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْعَيْبِ، وَالْعِلْمِ بِهِ دَلِيلَ الرِّضَا بِالْعَيْبِ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا حُكْمُ الْخِيَارِ، فَهُوَ تَخْيِيرُ الْمَرْأَةِ بَيْنَ الْفُرْقَةِ، وَبَيْنَ النِّكَاحِ، فَإِنْ شَاءَتْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ، وَإِنْ شَاءَتْ اخْتَارَتْ الزَّوْجَ، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمُقَام مَعَ الزَّوْجِ؛ بَطَلَ حَقُّهَا.
وَلَمْ يَكُنْ لَهَا خُصُومَةٌ فِي هَذَا النِّكَاحِ أَبَدًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْعَيْبِ، فَسَقَطَ خِيَارُهَا، وَإِنْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ، فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ، وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ الِاخْتِيَارِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ الِاخْتِيَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ كَخِيَارِ الْمُعْتَقَةِ، وَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ مَا لَمْ يَقُلْ الْقَاضِي: فَرَّقْتُ بَيْنَكُمَا، وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الْبُلُوغِ هَكَذَا ذَكَرَ، وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعَ أَنَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ عَنْهُ، وَمَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُمَا (وَجْهُ) رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ فُرْقَةُ