فِي الْوَطْءِ حَقِيقَةً، وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَاتَبَهَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ بِالْكِتَابَةِ لَمْ يَمْلِكْ وَطْأَهَا غَيْرُهُ.
وَقَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا: إنَّهُ لَوْ مَلَكَ فَرْجَ الْأُولَى غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى حَتَّى تَحِيضَ الْأُولَى حَيْضَةً بَعْدَ وَطْئِهَا لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَيَكُونُ جَامِعًا مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ فَيَسْتَبْرِئُهَا بِحَيْضَةٍ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ (وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ حَرَّمَ فَرْجَهَا عَلَى الْمَوْلَى بِالْكِتَابَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا لَزِمَهُ الْعُقْرُ وَلَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ كَانَ الْمَهْرُ لَهَا لَا لِلْمَوْلَى، فَلَا يَصِيرُ بِوَطْءِ الْأُخْرَى جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ.
وَلَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةً وَلَمْ يَطَأْهَا حَتَّى مَلَكَ أُخْتَهَا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْمُشْتَرَاةَ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ يَثْبُتُ بِنَفْسِ النِّكَاحِ، وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ يُقْصَدُ بِهِ الْوَطْءُ وَالْوَلَدُ فَصَارَتْ الْمَنْكُوحَةُ مَوْطُوءَةً حُكْمًا، فَلَوْ وَطِئَ الْمُشْتَرَاةَ لَصَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ.
وَلَوْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ جَارِيَةٌ قَدْ وَطِئَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَتَزَوَّجَ أُخْتَ أُمِّ وَلَدِهِ جَازَ النِّكَاحُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنْ لَا يَطَأُ الزَّوْجَةَ مَا لَمْ يُحَرِّمْ فَرْجَ الْأَمَةِ الَّتِي فِي مِلْكِهِ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ (وَجْهُ) قَوْلِهِ: إنَّ النِّكَاحَ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ بِهِ النَّسَبُ كَالْوَطْءِ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْمَمْلُوكَةَ هَهُنَا بَعْدَ نِكَاحِ أُخْتِهَا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ لَجَازَ، وَإِذَا كَانَ النِّكَاحُ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ يَصِيرُ بِالنِّكَاحِ جَامِعًا لَمَا بَيَّنَّا فِي الْوَطْءِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بِوَطْءٍ حَقِيقَةً وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُلَاقِي الْأَجْنَبِيَّةَ، وَلَا يَجُوزُ وَطْءُ الْأَجْنَبِيَّةِ فَلَا يَكُونُ نِكَاحُهَا جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ إلَّا أَنَّ النِّكَاحَ إذَا انْعَقَدَ يَجْعَلُ الْوَطْءَ مَوْجُودًا حُكْمًا بَعْدَ الِانْعِقَادِ لِمَا أَنَّ الْحُكْمَ الْمُخْتَصَّ بِالنِّكَاحِ هُوَ الْوَطْءُ، وَثَمَرَتُهُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْهُ الْوَلَدُ، وَلَا حُصُولَ لَهُ عَادَةً بِدُونِ الْوَطْءِ فَجَعَلَهُ الشَّارِعُ حُكْمًا وَاطِئًا بَعْدَ انْعِقَادِ النِّكَاحِ وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْفِرَاشِ فَلَوْ وَطِئَ الْمَمْلُوكَةَ لَصَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا؛ وَلِأَنَّ الْأَمَةَ لَا تَصِيرُ فِرَاشًا بِنَفْسِ الْوَطْءِ عِنْدَنَا حَتَّى لَا يَثْبُتَ النَّسَبُ بِدُونِ الدَّعْوَةِ، فَلَا يَكُونُ نِكَاحُ أُخْتِهَا جَمْعًا بَيْنَهُمَا فِي الْفِرَاشِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ فِرَاشُهَا ضَعِيفٌ حَتَّى يَنْتَفِيَ نَسَبُ وَلَدِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ، وَهُوَ مُجَرَّدُ النَّفْيِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ.
وَكَذَا يُحْتَمَلُ النَّقْلُ إلَى غَيْرِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ النِّكَاحُ جَمْعًا بَيْنَهُمَا فِي الْفِرَاشِ مُطْلَقًا فَلَا يُمْنَعُ نَسَبُ وَلَدِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَهُوَ مُجَرَّدُ النَّفْيِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ أُمِّ وَلَدِهِ الَّتِي تَعْتَدُّ مِنْهُ بِأَنَّهُ أَعْتَقَهَا وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَجُوزُ أَنْ تَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا فِي عِدَّتِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجُوزُ كِلَاهُمَا وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ كِلَاهُمَا (وَجْهُ) قَوْلِهِ: إنَّ هَذِهِ مُعْتَدَّةٌ، فَلَا يَجُوزُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا كَالْحُرَّةِ الْمُعْتَدَّةِ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: إنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْحُرَّةِ لِمَكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ وَلَمْ يُوجَدْ فِي أُمِّ الْوَلَدِ لِانْعِدَامِ النِّكَاحِ أَصْلًا؛ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ أَثَرُ فِرَاشِ الْمِلْكِ، وَحَقِيقَةُ الْفِرَاشِ فِيهَا لَا يَمْنَعُ النِّكَاحَ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَ أُمِّ وَلَدِهِ وَأَرْبَعَ نِسْوَةٍ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهَا جَازَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِرَاشُ الْمِلْكِ حَقِيقَةً مَانِعًا فَأَثَرُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنَّمَا جَازَ نِكَاحُ أُخْتِ أُمِّ الْوَلَدِ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ؛ لِضَعْفِ فِرَاشِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِذَا أَعْتَقَهَا قَوِيَ فِرَاشُهَا، فَكَانَ نِكَاحُ أُخْتِهَا جَمْعًا بَيْنَهُمَا فِي الْفِرَاشِ وَهُوَ اسْتِلْحَاقُ نَسَبِ وَلَدَيْهَا، وَلَا يَجُوزُ اسْتِلْحَاقُ نَسَبِ وَلَدِ أُخْتَيْنِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَ أُمِّ وَلَدِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ حَتَّى يُزِيلَ فِرَاشَ أُمِّ الْوَلَدِ وَنِكَاحَ الْأَرْبَعِ وَإِنْ كَانَ جَمْعًا بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَهَا فِي الْفِرَاشِ، لَكِنْ الْجَمْعَ هَهُنَا فِي الْفِرَاشِ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَازَ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ أَرْبَعًا قَبْلَ الْإِعْتَاقِ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهُنَّ وَوَطْءُ أُمِّ الْوَلَدِ، فَكَذَا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّاتِ فَنَوْعَانِ أَيْضًا: جَمْعٌ فِي النِّكَاحِ وَجَمْعٌ فِي الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، أَمَّا.
الْجَمْعُ فِي النِّكَاحِ فَنَقُولُ: لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ التِّسْعِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَاحْتَجُّوا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] .
فَالْأَوَّلُونَ قَالُوا: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ هَذِهِ الْأَعْدَادَ بِحَرْفِ الْوَاوِ، وَأَنَّهُ لِلْجَمْعِ، وَجُمْلَتُهَا تِسْعَةٌ، فَيَقْتَضِي إبَاحَةَ نِكَاحِ تِسْعٍ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَزَوَّجَ