وَبَنَاتُ أَبْنَائِهَا وَإِنْ سَفَلْنَ فَتَثْبُتُ حُرْمَتُهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ لَا بِعَيْنِ النَّصِّ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ عِنْدَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِمَا.

[فَصْلٌ الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ فَحَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ الصُّلْبِ وَإِنْ سَفَلَ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ فَحَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ الصُّلْبِ وَابْنِ الِابْنِ وَابْنِ الْبِنْتِ وَإِنْ سَفَلَ فَتُحَرَّمُ عَلَى الرَّجُلِ حَلِيلَةُ ابْنِهِ مِنْ صُلْبِهِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] وَذِكْرُ الصُّلْبِ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْخَاصِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الِابْنُ إلَّا مِنْ الصُّلْبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] وَإِنْ كَانَ الطَّائِرُ لَا يَطِيرُ إلَّا بِجَنَاحَيْهِ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْقِسْمَةِ وَالتَّنْوِيعِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ قَدْ يَكُونُ مِنْ الصُّلْبِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الرَّضَاعِ وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّبَنِّي أَيْضًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَزَوَّجَ امْرَأَةَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا زَيْدٌ وَكَانَ ابْنًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّبَنِّي فَعَابَهُ الْمُنَافِقُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالُوا: إنَّهُ تَزَوَّجَ بِحَلِيلَةِ ابْنِهِ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الأحزاب: 37] وَلِأَنَّ حَلِيلَةَ الِابْنِ لَوْ لَمْ تُحَرَّمْ عَلَى الْأَبِ فَإِذَا طَلَّقَهَا الِابْنُ رُبَّمَا يَنْدَمُ عَلَى ذَلِكَ وَيُرِيدُ الْعَوْدَ إلَيْهَا فَإِذَا تَزَوَّجَهَا أَبُوهُ أَوْرَثَ ذَلِكَ الضَّغِينَةَ بَيْنَهُمَا.

وَالضَّغِينَةُ تُوَرِّثُ الْقَطِيعَةَ، وَقَطْعُ الرَّحِمِ حَرَامٌ فَيَجِبُ أَنْ يُحَرَّمَ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى الْحَرَامِ وَلِهَذَا حُرِّمَتْ مَنْكُوحَةُ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ كَذَا هَذَا سَوَاءٌ كَانَ دَخَلَ بِهَا الِابْنُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِأَنَّ النَّصَّ مُطْلَقٌ عَنْ شَرْطِ الدُّخُولِ وَالْمَعْنَى لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ سَبَبٌ إلَى الدُّخُولِ وَالسَّبَبُ يُقَامُ مَقَامَ الْمُسَبِّبِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ عَلَى مَا مَرَّ، وَحَلِيلَةُ ابْنِ الِابْنِ وَابْنِ الْبِنْتِ وَإِنْ سَفَلَ تُحَرَّمُ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى لَا بِعَيْنِ النَّصِّ؛ لِأَنَّ ابْنَ الِابْنِ يُسَمَّى ابْنًا مَجَازًا لَا حَقِيقَةً فَإِذَا صَارَتْ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً لَمْ يَبْقَ الْمَجَازُ مُرَادًا لَنَا إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَا مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ - وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ -.

[فَصْلٌ الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ فَمَنْكُوحَةُ الْأَبِ وَأَجْدَادِهِ وَإِنْ عَلَوْا]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الْفِرْقَةُ الرَّابِعَةُ فَمَنْكُوحَةُ الْأَبِ وَأَجْدَادِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَإِنْ عَلَوْا،.

أَمَّا مَنْكُوحَةُ الْأَبِ: فَتُحَرَّمُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَالنِّكَاحُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ اسْمَ النِّكَاحِ يَقَعُ عَلَى الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ فَتُحَرَّمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا نَذْكُرُ؛ وَلِأَنَّ نِكَاحَ مَنْكُوحَةِ الْأَبِ يُفْضِي إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَارَقَهَا أَبُوهُ لَعَلَّهُ يَنْدَمُ فَيُرِيدُ أَنْ يُعِيدَهَا فَإِذَا نَكَحَهَا الِابْنُ أَوْحَشَهُ ذَلِكَ وَأَوْرَثَ الضَّغِينَةَ، وَذَلِكَ سَبَبُ التَّبَاعُدِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ تَفْسِيرُ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَقَطْعُ الرَّحِمِ حَرَامٌ فَكَانَ النِّكَاحُ سِرَّ سَبَبِ الْحَرَامِ وَأَنَّهُ تَنَاقُضٌ فَيُحَرَّمُ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ الَّذِي هُوَ أَثَرُ السَّفَهِ وَالْجَهْلِ جَلَّ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا.

وَأَمَّا مَنْكُوحَةُ أَجْدَادِهِ فَتُحَرَّمُ بِالْإِجْمَاعِ وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى لَا بِعَيْنِ النَّصِّ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْجَمْعَ بَيْن الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ عِنْدَ عَدَمِ النَّافِي ثُمَّ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَتَثْبُتُ بِالْوَطْءِ الْحَلَالِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى إنَّ مَنْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا وَجَدَّاتُهَا وَإِنْ عَلَوْنَ وَبَنَاتُ بَنَاتِهَا وَإِنْ سَفَلْنَ وَتُحَرَّمُ هِيَ عَلَى أَبُ الْوَاطِئِ وَابْنِهِ وَعَلَى أَجْدَادِ أَجْدَادِ الْوَاطِئِ وَإِنْ عَلَوْا، وَعَلَى أَبْنَاءِ أَبْنَائِهِ وَإِنْ سَفَلُوا.

وَكَذَا تَثْبُتُ بِالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَكَذَا بِالْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَتَثْبُتُ بِاللَّمْسِ فِيهِمَا عَنْ شَهْوَةٍ وَبِالنَّظَرِ إلَى فَرْجِهَا عَنْ شَهْوَةٍ عِنْدَنَا وَلَا تَثْبُتُ بِالنَّظَرِ إلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ بِشَهْوَةٍ وَلَا بِمَسِّ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ إلَّا عَنْ شَهْوَةٍ بِلَا خِلَافٍ.

وَتَفْسِيرُ الشَّهْوَةِ هِيَ أَنْ يَشْتَهِيَ بِقَلْبِهِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ بَاطِنٌ لَا وُقُوفَ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ، وَتَحَرُّكُ الْآلَةِ وَانْتِشَارُهَا هَلْ هُوَ شَرْطُ تَحْقِيقِ الشَّهْوَةِ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: شَرْطٌ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِشَرْطٍ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَسَّ وَالنَّظَرَ عَنْ شَهْوَةٍ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ ذَلِكَ كَالْعِنِّينِ وَالْمَجْبُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالنَّظَرِ وَلَهُ فِي الْمَسِّ قَوْلَانِ، وَتَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا وَالْمَسِّ وَالنَّظَرِ بِدُونِ النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالزِّنَا فَأَوْلَى أَنْ لَا تَثْبُتَ بِالْمَسِّ وَالنَّظَرِ بِدُونِ الْمِلْكِ، احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015