وَإِنْ عُلِمَ السَّابِقُ مِنْهُمَا مِنْ اللَّاحِقِ جَازَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَجُزْ الْآخَرُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا نَكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ» وَأَمَّا إذَا زَوَّجَ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ الْحُرَّةَ الْبَالِغَةَ الْعَاقِلَةَ بِرِضَاهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ بِغَيْرِ رِضَا الْبَاقِينَ فَحُكْمُهُ يُذْكَرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرَائِطِ اللُّزُومِ.

[فَصْلٌ وَلَايَةُ الْوَلَاءِ فِي النِّكَاحِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا وَلَايَةُ الْوَلَاءِ فَسَبَبُ ثُبُوتِهَا الْوَلَاءُ، قَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» ثُمَّ النَّسَبُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْوَلَايَةِ كَذَا الْوَلَاءُ وَالْوَلَاءُ نَوْعَانِ: وَلَاءُ عَتَاقَةٍ، وَوَلَاءُ مُوَالَاةٍ، أَمَّا وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ: فَوَلَايَةُ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ نَوْعَانِ: وَلَايَةُ حَتْمٍ وَإِيجَابٍ، وَوَلَايَةُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَايَةُ اسْتِبْدَادٍ وَوَلَايَةُ شَرِكَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي وَلَايَةِ الْقَرَابَةِ.

وَشَرْطُ ثُبُوتِ هَذِهِ الْوَلَايَةِ مَا هُوَ شَرْطُ ثُبُوتِ تِلْكَ الْوَلَايَةِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْوَلَايَةَ اخْتَصَّتْ بِشَرْطٍ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ مِنْ جِهَةِ الْقَرَابَةِ فَإِنْ كَانَ فَلَا وَلَايَةَ لِلْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَلَاءَ لَهُ لِأَنَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ آخِرُ الْعَصَبَاتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ عَصَبَةٌ مِنْ جِهَةِ الْقُرْبَةِ فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ سَوَاءً كَانَ الْمُعْتَقُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى.

وَأَمَّا مَوْلَى الْمُوَالَاةِ فَلَهُ وَلَايَةُ التَّزْوِيجِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ وَانْعِدَامِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ الْوَرَثَةِ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ وَلَايَةُ التَّزْوِيجِ أَصْلًا وَرَأْسًا؛ لِأَنَّ الْعُصُوبَة شَرْطٌ عِنْدَهُمَا وَلَمْ تُوجَدْ.

[فَصْلٌ وَلَايَةُ الْإِمَامَةِ النِّكَاحَ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا وَلَايَةُ الْإِمَامَةِ فَسَبَبُهَا الْإِمَامَةُ وَوَلَايَةُ الْإِمَامَةِ نَوْعَانِ أَيْضًا كَوَلَايَةِ الْقَرَابَةِ وَشَرْطُهَا مَا هُوَ شَرْطُ تِلْكَ الْوَلَايَةِ فِي النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا وَلَهَا شَرْطَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ: أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ وَلِيٌّ أَصْلًا لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَالثَّانِي يَخُصُّ أَحَدَهُمَا وَهُوَ وَلَايَةُ النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ أَوْ وَلَايَةُ الشَّرِكَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلِ وَهُوَ لِعَضْلٍ مِنْ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ الْبَالِغَةَ الْعَاقِلَةَ إذَا طَلَبَتْ الْإِنْكَاحَ مِنْ كُفْءٍ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّزْوِيجُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الْعَضْلِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ فَإِذَا امْتَنَعَ فَقَدْ أَضَرَّ بِهَا وَالْإِمَامُ نُصِّبَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَتَنْتَقِلُ الْوَلَايَةُ إلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ وَلَايَةُ الْإِنْكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْأَمْرِ فَلَا يَعْدُو مَوْضِعَ الْأَمْرِ كَالْوَكِيلِ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى إلَيْهِ لَا يَمْلِكُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْوِصَايَةِ إلَيْهِ نَقْلَ وَلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ النَّقْلَ حَالَ الْحَيَاةِ كَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ.

وَكَذَا الْفُضُولِيُّ لِانْعِدَامِ سَبَبِ ثُبُوتِ الْوَلَايَةِ فِي حَقِّهِ أَصْلًا، وَلَوْ أَنْكَحَ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا وَالْمَسْأَلَةُ سَتَأْتِي فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ.

[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ فِي النِّكَاحِ]

(فَصْلٌ) :

وَمِنْهَا الشَّهَادَةُ وَهِيَ: حُضُورُ الشُّهُودِ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الشَّرْطِ فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعَ.

أَحَدُهَا: فِي بَيَانِ أَنَّ أَصْلَ الشَّهَادَةِ شَرْطُ جَوَازِ النِّكَاحِ أَمْ لَا.

وَالثَّانِي: فِي بَيَانِ صِفَاتِ الشَّاهِدِ الَّذِي يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحُضُورِهِ.

وَالثَّالِثُ: فِي بَيَانِ وَقْتِ الشَّهَادَةِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطُ جَوَازِ النِّكَاحِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ هُوَ الْإِعْلَانُ حَتَّى لَوْ عَقَدَ النِّكَاحَ وَشَرَطَ الْإِعْلَانَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ شُهُودٌ، وَلَوْ حَضَرَتْهُ شُهُودٌ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ الْكِتْمَانَ لَمْ يَجُزْ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَكِنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَمُسْتَحَبٌّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْمُدَايَنَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] وَالْكِتَابَةُ لَا تَكُونُ لِنَفْسِهَا بَلْ لِلْإِشْهَادِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي بَاب الرَّجْعَةِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] .

(وَجْهُ) قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا يَمْتَازُ عَنْ السِّفَاحِ بِالْإِعْلَانِ فَإِنَّ الزِّنَا يَكُونُ سِرًّا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ عَلَانِيَةً وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ وَالنَّهْيُ عَنْ السِّرِّ يَكُونُ أَمْرًا بِالْإِعْلَانِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَلَوْ بِالدُّفِّ» .

(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَرُوِيَ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ» وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الزَّانِيَةُ الَّتِي تُنْكِحُ نَفْسَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ» وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ شَرْطًا لَمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015