يَقِفُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ وَالْجَوَازُ فِي الْبِكْرِ ثَبَتَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَنَا) قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] وَالْأَيِّمُ اسْمٌ لِأُنْثَى لَا زَوْجَ لَهَا كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً فَيَقْتَضِي ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ عَامًّا إلَّا مَنْ خُصَّ بِدَلِيلٍ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً قَبْلَ زَوَالِ الْبَكَارَةِ لِوُجُودِ سَبَبِ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ - وَهُوَ الْقَرَابَةُ الْكَامِلَةُ وَالشَّفَقَةُ الْوَافِرَةُ - وَوُجُودِ شَرْطِ الثُّبُوتِ وَهِيَ حَاجَةُ الصَّغِيرَةِ إلَى النِّكَاحِ لِاسْتِيفَاءِ الْمَصَالِحِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَعَجْزِهَا عَنْ ذَلِكَ بِنَفْسِهَا وَقُدْرَة الْوَلِيِّ عَلَيْهِ وَالْعَارِضُ لَيْسَ إلَّا الثِّيَابَةُ وَأَثَرَهَا فِي زِيَادَةِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِنْكَاحِ لِأَنَّهَا مَارَسَتْ الرِّجَالِ وَصَحِبَتْهُمْ وَلِلصُّحْبَةِ أَثَرٌ فِي الْمَيْلِ إلَى مَنْ تُعَاشِرُهُ مُعَاشَرَةً جَمِيلَةً فَلَمَّا ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ عَلَى الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ فَلَأَنْ تَبْقَى عَلَى الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ أَوْلَى
وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ الْبَالِغَةُ لِمَا مَرَّ.
وَالْمَجْنُونُ الْكَبِيرُ وَالْمَجْنُونَةُ الْكَبِيرَةُ تُزَوَّجُ كَمَا يُزَوَّجُ الصَّغِيرُ وَالصَّغِيرَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ أَصْلِيًّا كَانَ الْجُنُونُ أَوْ طَارِئًا بَعْدَ الْبُلُوغِ.
وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْمَجْنُونَ جُنُونًا طَارِئًا.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ وِلَايَةَ الْوَلِيِّ قَدْ زَالَتْ بِالْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ فَلَا تَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ بِطَرَيَانِ الْجُنُونِ، كَمَا لَوْ بَلَغَ مُغْمًى عَلَيْهِ ثُمَّ زَالَ الْإِغْمَاءُ.
(وَلَنَا) أَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَشَرْطُهُ وَهُوَ عَجْزُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ حَاجَتُهُ، وَفِي ثُبُوتِ الْوَلَاءِ فَائِدَةٌ فَثَبَتَتْ وَلِهَذَا ثَبَتَتْ فِي الْجُنُونِ الْأَصْلِيِّ كَذَا فِي الطَّارِئِ وَتَثْبُتُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ كَذَا فِي نَفْسِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ التَّصَرُّفِ فَهُوَ: أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ نَافِعًا فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ لَا ضَارًّا فِي حَقِّهِ، فَلَيْسَ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْجَدِّ أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ حُرَّةً وَلَا أَمَةً لِغَيْرِهِمَا لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ ضَارٌّ فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ يَتَعَلَّقَانِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ فِي مُقَابَلَتِهِ وَالْإِضْرَارُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالتَّبَرُّعَاتِ.
وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَتَصَرَّفُ عَلَى غَيْرِهِ بِالْإِذْنِ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَ الْعَبْدِ كَالْمُكَاتَبِ وَالشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ وَالْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ التَّصَرُّفِ لِهَؤُلَاءِ مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ.
وَأَمَّا تَزْوِيجُ الْأَمَةِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا لِغَيْرِهِمَا فَيَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْوَصِيُّ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُفَاوَضُ وَالْقَاضِي وَأَمِينُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ لِكَوْنِهِ تَحْصِيلَ مَالٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَابِلَهُ مَالٌ فَيَمْلِكُهُ هَؤُلَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ الْبَيْعَ مَعَ أَنَّهُ مُقَابَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَهَذَا أَوْلَى فَأَمَّا شَرِيكُ الْعِنَانِ وَالْمُضَارِبُ وَالْمَأْذُونُ فَلَا يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَمْلِكُونَ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ نَافِعٌ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ مَالٍ لَا يُقَابِلُهُ مَالٌ فَيَمْلِكُونَهُ كَشَرِيكِ الْمُفَاوَضَةِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ تَصَرُّفَ هَؤُلَاءِ يَخْتَصُّ بِالتِّجَارَةِ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَأْذُونَةَ لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ تِجَارَةً لَمَلَكَتْ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالنِّكَاحُ مُعَاوَضَةُ الْبُضْعِ بِالْمَالِ فَلَمْ يَكُنْ تِجَارَةً فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَتِهِمْ، بِخِلَافِ الْمُفَاوَضِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُخْتَصٌّ بِالنَّفْعِ لَا بِالتِّجَارَةِ وَهَذَا نَافِعٌ.
وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِ ابْنِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ.
(وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ الصَّغِيرِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ وِلَايَةِ الْأَبِ فَكَانَ الْأَبُ فِيهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَاحْتِمَالُ الضَّرَرِ ثَابِتٌ لِجَوَازِ أَنْ يَبِيعَ الْأَمَةَ فَيَتَعَلَّقُ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الصَّغِيرُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ زَوَّجَهُ أَمَةَ الْغَيْرِ.
(وَلَنَا) أَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ مَوْجُودٌ فَلَا يَمْتَنِعُ الثُّبُوتُ إلَّا لِمَكَانِ الضَّرَرِ وَهَذَا نَفْعٌ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ لَهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ فَكَانَ نَفْعًا مَحْضًا فَيَمْلِكُهُ قَوْلُهُ: " يُحْتَمَلُ أَنْ يَبِيعَهُ " قُلْنَا: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَبِيعَهُ فَلَا يَجُوزُ تَعْطِيلُ الْوِلَايَةِ الْمُحَقِّقَةِ لِلْحَالِ لِأَمْرٍ يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا زَوَّجَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ الصَّغِيرَةَ مِنْ كُفْءٍ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ امْرَأَةً بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ.
وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ.
وَلَوْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَلَوْ فَعَلَ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا لَا يَجُوزُ فِي قَوْلَيْهِمَا جَمِيعًا.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ تَثْبُتُ نَظَرًا فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ