مِنْ الْأَدَاءِ بَلْ هُوَ شَرْطُ جَوَازِ أَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ، فَيَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْأَدَاءِ، وَالْأَدَاءُ مُتَصَوَّرٌ بِوَاسِطَةِ التَّعْيِينِ، فَإِذَا جَعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ تَعَيَّنَ لَهُ فَيَقَعُ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهَا عَنْ أَحَدِهِمَا حَتَّى طَافَ شَوْطًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَحَدِهِمَا لَمْ تَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ تَعَذَّرَ تَعْيِينُ الْقَدْرِ الْمُؤَدَّى؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى قَدْ مَضَى وَانْقَضَى، فَلَا يُتَصَوَّرُ تَعْيِينُهُ فَيَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ، وَصَارَ إحْرَامُهُ وَاقِعًا لَهُ لِاتِّصَالِ الْأَدَاءِ بِهِ.
وَإِنْ أَمَرَهُ أَحَدُهُمَا بِحَجَّةٍ، وَأَمَرَهُ الْآخَرُ بِعُمْرَةٍ فَإِنْ أَذِنَا لَهُ بِالْجَمْعِ - وَهُوَ الْقِرَانُ - فَجَمَعَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِسَفَرٍ يَنْصَرِفُ بَعْضُهُ إلَى الْحَجِّ وَبَعْضُهُ إلَى الْعُمْرَةِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَمْ يَصِرْ مُخَالِفًا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنَا لَهُ بِالْجَمْعِ فَجَمَعَ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِسَفَرٍ يَنْصَرِفُ كُلُّهُ إلَى الْحَجِّ، وَقَدْ صَرَفَهُ إلَى: الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَصَارَ مُخَالِفًا، وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَاعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ.
وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَحَجَّ عَنْهُ مَاشِيًا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْحَجِّ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَجِّ الْمُتَعَارَفِ فِي الشَّرْعِ - وَهُوَ الْحَجُّ رَاكِبًا - لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِذَلِكَ، فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ فَإِذَا حَجَّ مَاشِيًا فَقَدْ خَالَفَ فَيَضْمَنُ لِمَا قُلْنَا، وَلِأَنَّ الَّذِي يَحْصُلُ لِلْآمِرِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ هُوَ ثَوَابُ النَّفَقَةِ، وَالنَّفَقَةُ فِي الرُّكُوبِ أَكْثَرُ فَكَانَ الثَّوَابُ فِيهِ أَوْفَرَ؛ وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ حَجَّ عَلَى حِمَارٍ كَرِهْت لَهُ ذَلِكَ، وَالْجَمَلُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي رُكُوبِ الْجَمَلِ أَكْثَرُ فَكَانَ حُصُولُ الْمَقْصُودِ فِيهِ أَكْمَلَ فَكَانَ أَوْلَى.
وَإِذَا فَعَلَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ مَا يُوجِبُ الدَّمَ أَوْ غَيْرَهُ فَهُوَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَرَنَ عَنْ الْآمِرِ بِأَمْرِهِ فَدَمُ الْقِرَانِ عَلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَمِيعَ الدِّمَاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْإِحْرَامِ فِي مَالِ الْحَاجِّ إلَّا دَمَ الْإِحْصَارِ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ فِي مَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ دَمُ الْإِحْصَارِ وَلَمْ يَذْكُرْ الِاخْتِلَافَ وَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ.
وَذَكَرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ عَلَى الْحَاجِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا مَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ؛ فَلِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَنَى، فَكَانَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ وَلِأَنَّهُ أُمِرَ بِحَجٍّ خَالٍ عَنْ الْجِنَايَةِ، فَإِذَا جَنَى فَقَدْ خَالَفَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْخِلَافِ.
وَأَمَّا دَمُ الْقِرَانِ فَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ شُكْرًا، وَسَائِرُ أَفْعَالِ النُّسُكِ، عَلَى الْحَاجِّ فَكَذَا هَذَا النُّسُكُ وَأَمَّا دَمُ الْإِحْصَارِ فَلِأَنَّ الْمَحْجُوجَ عَنْهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَكَانَ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ وَالْمُؤْنَةِ، وَذَلِكَ عَلَيْهِ كَذَا هَذَا.
، فَإِنْ جَامَعَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَدَ حَجُّهُ وَيَمْضِي فِيهِ وَالنَّفَقَةُ فِي مَالِهِ، وَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، أَمَّا فَسَادُ الْحَجِّ فَلِأَنَّ الْجِمَاعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ لِمَا نَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَوْضِعِهِ، وَالْحَجَّةُ الْفَاسِدَةُ يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهَا.
وَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِحَجَّةٍ - صَحِيحَةٍ وَهِيَ الْخَالِيَةُ عَنْ الْجِمَاعِ - وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَصَارَ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ وَمَا بَقِيَ يُنْفِقُ فِيهِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ وَقَعَ لَهُ وَيَقْضِي؛ لِأَنَّ مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُ فَائِتُ الْحَجِّ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - وَلَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِأَنَّهُ فَاتَهُ بِغَيْرِ صُنْعِهِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْخِلَافُ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ وَعَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ؛ لِأَنَّ الْحَجَّةَ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ فَإِذَا فَاتَتْ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عِنْدَهُ يَقَعُ عَنْ الْحَاجِّ.
وَقَالُوا فِيمَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ فَمَرِضَ فِي الطَّرِيقِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ النَّفَقَةَ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحَجِّ لَا بِالْإِحْجَاجِ كَأَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ النَّفَقَةَ.
فَأَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَمَالِ الْآمِرِ يَنْظُرُ، فَإِنْ بَلَغَ مَالُ الْآمِرِ الْكِرَاءَ وَعَامَّةَ النَّفَقَةِ فَالْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا وَإِلَّا فَهُوَ ضَامِنٌ، وَيَكُونُ الْحَجُّ عَنْ نَفْسِهِ وَيَرُدُّ الْمَالَ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يَعْتَبِرَ الْأَكْثَرَ وَيَجْعَلَ الْأَقَلَّ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ وَقَلِيلَ الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ مِنْ شَرْبَةِ مَاءٍ، أَوْ قَلِيلِ زَادٍ فَلَوْ اعْتَبَرَ الْقَلِيلَ مَانِعًا مِنْ وُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ الْآمِرِ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْإِحْجَاجِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَيُعْتَبَرُ الْكَثِيرُ.
وَلَوْ أَحَجَّ رَجُلًا يُؤَدِّي الْحَجَّ وَيُقِيمُ بِمَكَّةَ جَازَ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ صَارَ مُؤَدِّيًا بِالْفَرَاغِ عَنْ أَفْعَالِهِ.
وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعُودَ إلَيْهِ، لِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْآمِرِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ، فَمَهْمَا كَانَتْ النَّفَقَةُ أَكْثَرَ كَانَ الثَّوَابُ أَكْثَرَ وَأَوْفَرَ، وَإِذَا فَرَغَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ مِنْ الْحَجِّ وَنَوَى الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ