رَكْعَةً مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ، بِأَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ ثُمَّ قَامَ الْإِمَامُ، وَدَخَلَ فِي الْعَصْرِ فَقَامَ الرَّجُلُ، وَقَضَى مَا فَاتَهُ مِنْ الظُّهْرِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الظُّهْرِ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْعَصْرِ، وَأَدْرَكَ شَيْئًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ، جَازَ لَهُ تَقْدِيمُ الْعَصْرِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ فَتَقَعُ الْعَصْرُ مُرَتَّبَةً عَلَى ظُهْرٍ كَامِلٍ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ أَدَاءُ الصَّلَاتَيْنِ بِإِمَامٍ، وَهُوَ الْخَلِيفَةُ أَوْ نَائِبُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، حَتَّى لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ لَكِنْ لَا مَعَ الْإِمَامِ، وَالْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ تَجُزْ الْعَصْرُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ.
، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ جَوَازَ التَّقْدِيمِ ثَبَتَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْأَصْلِ مُرَتَّبًا عَلَى ظُهْرٍ كَامِلٍ، وَهِيَ الْمُؤَدَّاةُ بِالْجَمَاعَةِ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، فَالْمُؤَدَّاةُ بِجَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ لَا تَكُونُ مِثْلَهَا فِي الْفَضِيلَةِ، فَلَا تَكُونُ فِي مَعْنَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَلَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ بَعْدَ مَا خَطَبَ فَأَمَرَ رَجُلًا بِالصَّلَاةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا، سَوَاءٌ شَهِدَ الْمَأْمُورُ الْخُطْبَةَ أَوْ لَمْ يَشْهَدْ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ هُنَاكَ مِنْ شَرَائِطِ جَوَازِ الْجُمُعَةِ، وَهَهُنَا الْخُطْبَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا، فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْ الْإِمَامُ أَحَدًا فَتَقَدَّمَ وَاحِدٌ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ، وَصَلَّى بِهِمْ الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا لَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَلَمْ يُوجَدْ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ رَجُلًا مِنْ ذِي سُلْطَانٍ كَالْقَاضِي، وَصَاحِبِ الشُّرَطِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْإِمَامِ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الظُّهْرِ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا، فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهِمْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِمَامِ، فَإِنْ فَرَغَ مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ الْإِمَامُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يُصَلِّي الْعَصْرَ إلَّا فِي وَقْتِهَا لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَخْلَفَ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ الْمُؤْتَمِّينَ وَالْمُؤْتَمُّ إذَا صَلَّى الظُّهْرُ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ مَعَهُ لَا يُصَلِّي الْعَصْرَ إلَّا فِي وَقْتِهَا كَذَا هَذَا، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ حَالَ أَدَاءِ الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ مَعَ الْإِمَامِ، وَهُوَ حَلَالٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ثُمَّ أَحْرَمَ لِلْحَجِّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ إلَّا فِي وَقْتِهَا، كَذَا ذُكِرَ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ؛ لِأَنَّ الْعَصْرَ شُرِعَتْ مُرَتَّبَةً عَلَى ظُهْرٍ كَامِلٍ وَهُوَ ظُهْرُ الْمُحْرِمِ وَظُهْرُ الْحَلَالِ لَا يَكُونُ مِثْلَ ظُهْرِ الْمُحْرِمِ فِي الْفَضِيلَةِ فَلَا يَجُوزُ تَرْتِيبُ الْعَصْرِ عَلَى ظُهْرٍ هِيَ دُونَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ مَعَ الْإِمَامِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ لَكِنْ بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، لَا يُجْزِئُهُ الْعَصْرُ إلَّا فِي وَقْتِهَا، وَعِنْدَ زُفَرَ يَجُوزُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّ ظُهْرَ الْمُحْرِمِ بِالْعُمْرَةِ لَا يَكُونُ مِثْلَ ظُهْرِ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ فِي الْفَضِيلَةِ، فَلَا يَكُونُ أَدَاءُ الْعَصْرِ فِي مَعْنَى مَوْرِدِ النَّصِّ، فَلَا تَجُوزُ إلَّا فِي وَقْتِهَا، وَلَوْ نَفَرَ النَّاسُ عَنْ الْإِمَامِ فَصَلَّى وَحْدَهُ الصَّلَاتَيْنِ أَجْزَأَهُ، وَدَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْإِمَامُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا الْجَمَاعَةُ، فَإِنَّ الصَّلَاتَيْنِ جَازَتَا لِلْإِمَامِ، وَلَا جَمَاعَةَ فَتُبْنَى الْمَسَائِلُ عَلَيْهِ، إذْ هُوَ أَقْرَبُ إلَى الصِّيغَةِ، وَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا مَا إذَا سَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا، وَذَهَبَ الْإِمَامُ لِيَتَوَضَّأَ فَصَلَّى الْخَلِيفَةُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، ثُمَّ جَاءَ الْإِمَامُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ إلَّا فِي وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ هُنَاكَ لَيْسَ لِعَدَمِ الْجَمَاعَةِ بَلْ لِعَدَمِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ إمَامًا فَصَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ الْمُؤْتَمِّينَ، أَوْ يُقَالُ: الْجَمَاعَةُ شَرْطُ الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَكِنْ فِي حَقِّ غَيْرِ الْإِمَامِ لَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ، فَإِنْ مَاتَ الْإِمَامُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ خَلِيفَتُهُ جَازَ؛ لِأَنَّ مَوْتَ الْإِمَامِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ وِلَايَةِ خُلَفَائِهِ كَوِلَايَةِ السَّلْطَنَةِ، وَالْقَضَاءِ.
فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ، وَرَاحَ النَّاسُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاحَ إلَيْهِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ، وَيَرْفَعُ الْأَيْدِيَ بَسْطًا يَسْتَقْبِلُ كَمَا يَسْتَقْبِلُ الدَّاعِي بِيَدِهِ وَوَجْهِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو بِعَرَفَاتٍ بَاسِطًا يَدَيْهِ فِي نَحْرِهِ كَاسْتِطْعَامِ الْمِسْكِينِ» فَيَقِفُ الْإِمَامُ، وَالنَّاسُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ يُكَبِّرُونَ وَيُهَلِّلُونَ، وَيَحْمَدُونَ اللَّهَ تَعَالَى، وَيُثْنُونَ عَلَيْهِ، وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَسْأَلُونَ اللَّهَ تَعَالَى حَوَائِجَهُمْ، وَيَتَضَرَّعُونَ إلَيْهِ بِالدُّعَاءِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ أَهْلِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ وَقَالَتْ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلِي عَشِيَّةَ يَوْمِ عَرَفَةَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .
وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ أَكْثَرَ دُعَائِي وَدُعَاءِ