عَنْ شَفْعٍ أَوْ وِتْرٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا انْصَرَفَ عَنْ وِتْرٍ نَحْوَ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ أَوْ عَنْ خَمْسَةِ أَسَابِيعَ أَوْ عَنْ سَبْعَةِ أَسَابِيعَ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَجْمَعُ بَيْنَ الطَّوَافِ ثُمَّ تُصَلِّي بَعْدَهُ، ثُمَّ فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ انْصِرَافِهِ عَنْ شَفْعٍ أَوْ عَنْ وِتْرٍ فَقَالَ: إذَا انْصَرَفَ عَنْ أُسْبُوعَيْنِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَوْ أَرْبَعَةُ أَسَابِيعَ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ يُكْرَهُ، وَلَوْ انْصَرَفَ عَنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ عَنْ خَمْسَةٍ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَفْعٌ، وَالثَّانِيَ وِتْرٌ، وَأَصْلُ الطَّوَافِ سَبْعَةٌ، وَهِيَ وِتْرٌ، وَلَهُمَا أَنَّ تَرْتِيبَ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى الطَّوَافِ كَتَرْتِيبِ السَّعْيِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاجِبٌ ثُمَّ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ مِنْ الطَّوَافِ، وَأَخَّرَ السَّعْيَ يُكْرَهُ، فَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ مِنْهُ، وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَيُحْمَلُ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ وَعُذْرٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ يَرُوحُ مَعَ النَّاسِ إلَى مِنًى، فَيُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنَ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «جَاءَ جِبْرِيلُ إلَى إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَخَرَجَ بِهِ إلَى مِنًى، فَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ غَدَا بِهِ إلَى عَرَفَاتٍ» .

وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَسَارَ إلَى عَرَفَاتٍ» ، فَإِنْ دَفَعَ مِنْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ جَازَ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِمَا رَوَيْنَا فَيَخْرُجُ إلَى عَرَفَاتٍ عَلَى السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهَا نَزَلَ بِهَا حَيْثُ أَحَبَّ إلَّا فِي بَطْنِ عُرَنَةَ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «عَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ» ، وَيَغْتَسِلُ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَغُسْلُ يَوْمِ عَرَفَةَ سُنَّةٌ كَغُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَعِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إنْ اغْتَسَلَ فَحَسَنٌ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى الِاسْتِحْبَابِ، ثُمَّ غُسْلُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِأَجْلِ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَوْ لِأَجْلِ الْوُقُوفِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ، وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ الْأَذَانِ قَامَ الْإِمَامُ، وَخَطَبَ خُطْبَتَيْنِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ.

رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ.

وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ فِي الْفُسْطَاطِ ثُمَّ يَخْرُجُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ الْأَذَانِ، فَيَصْعَدُ الْمِنْبَرَ، وَيَخْطُبُ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ فِي بَابِ خُطَبِ الْحَجِّ: أَنَّ الْإِمَامَ يَبْدَأُ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الْأَذَانِ، فَإِذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ خُطْبَتِهِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ، ثُمَّ يُتِمُّ خُطْبَتَهُ بَعْدَ الْأَذَانِ.

أَمَّا تَقْدِيمُ الْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَهَا عَلَى الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْخُطْبَةِ تَعْلِيمُ أَحْكَامِ الْمَنَاسِكِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهَا لِيَعْلَمُوا، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهَا يَتَبَادَرُ الْقَوْمُ إلَى الْوُقُوفِ، وَلَا يَسْتَمِعُونَ، فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ هَذِهِ الْخُطْبَةُ سُنَّةٌ، وَلَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ حَتَّى لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَصَلَّاهُمَا مِنْ غَيْرِ خُطْبَةٍ أَجْزَأَهُ، بِخِلَافِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِدُونِهَا، وَالْفَرْقُ: أَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَةَ لِتَعْلِيمِ الْمَنَاسِكِ لَا لِجَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ.

وَفَرْضِيَّةُ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ لِقَصْرِ الصَّلَاةِ، وَقِيَامِهَا مَقَامَ الْبَعْضِ عَلَى مَا قَالَتْ عَائِشَةُ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنَّمَا قُصِرَتْ الْجُمُعَةُ لِمَكَانِ الْخُطْبَةِ، وَقَصْرُ الصَّلَاةِ تَرْكُ شَطْرِهَا، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْفَرْضِ إلَّا لِأَجْلِ الْفَرْضِ، فَكَانَتْ الْخُطْبَةُ فَرْضًا، وَلَا قَصْرَ هَهُنَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرْضَيْنِ يُؤَدَّى عَلَى الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ فَلَمْ تَكُنْ الْخُطْبَةُ فَرْضًا إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ مُسِيئًا بِتَرْكِ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ، وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ، أَمَّا الْجَوَازُ؛ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ مِنْ شَطْرِ الصَّلَاةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا الْوَقْتُ.

وَأَمَّا الْإِسَاءَةُ فَلِتَرْكِهِ السُّنَّةَ؛ إذْ السُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ بَعْدَ الزَّوَالِ، بِخِلَافِ خُطْبَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ إذَا خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ هُنَاكَ مِنْ فَرَائِضِ الْجُمُعَةِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ قُصِرَتْ الْجُمُعَةُ لِمَكَانِهَا، وَلَا يُتْرَكُ بَعْضُ الْفَرْضِ إلَّا لِأَجْلِ الْفَرْضِ.

وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي وَقْتِ صُعُودِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ أَنَّهُ يَصْعَدُ قَبْلَ الْأَذَانِ أَوْ بَعْدَهُ فَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي تُؤَدَّى فِي هَذَا الْوَقْتِ هِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ فَيَكُونُ الْأَذَانُ فِيهِمَا قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَكَمَا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: أَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَةَ لَمَّا كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الصَّلَاةِ كَانَ هَذَا الْأَذَانُ لِلْخُطْبَةِ، فَيَكُونُ بَعْدَ صُعُودِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ.

وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ أَنَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015