فَأَمَّا الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ شَرْطٌ وَاخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي اعْتِكَافِ التَّطَوُّعِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِيَوْمٍ أَوْ غَيْرُ مُقَدَّرٍ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ وَلَوْ سَاعَةً.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِيَوْمٍ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مُقَدَّرًا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ؛ لَمْ يَكُنْ الصَّوْمُ شَرْطًا لَهُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مُقَدَّرٌ بِيَوْمٍ إذْ صَوْمُ بَعْضِ الْيَوْمِ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِمَا لَيْسَ مُقَدَّرًا.
وَلَمَّا كَانَ مُقَدَّرًا بِيَوْمٍ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ فَالصَّوْمُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لَهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ.
وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا أَنَّهُ يَصِحُّ نَذْرُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا وَاحِدًا بِصَوْمٍ وَالتَّعْيِينِ إلَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَطْلُعُ الْفَجْرُ وَهُوَ فِيهِ فَيَعْتَكِفُ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَيَخْرُجُ مِنْهُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ اسْمٌ لِبَيَاضِ النَّهَارِ، وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَيَجِبُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى يَقَعَ اعْتِكَافُهُ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ وَإِنَّمَا كَانَ التَّعْيِينُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ الْيَوْمَ فِي النَّذْرِ.
وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً؛ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ شَرْطُ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ، فَاللَّيْلُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصَّوْمِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ دُخُولَهُ فِي الِاعْتِكَافِ تَبَعًا؛ فَالنَّذْرُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ نَوَى لَيْلَةً بِيَوْمِهَا؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْأَصْلِ.
فَإِمَّا أَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَيَحْمِلَ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ.
وَجْهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: اعْتِبَارُ الْفَرْدِ بِالْجَمْعِ وَهُوَ أَنَّ ذِكْرَ اللَّيَالِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ يَكُونُ ذِكْرًا لِلْأَيَّامِ كَذَا ذِكْرُ اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ يَكُونُ ذِكْرًا لِيَوْمٍ وَاحِدٍ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالْقِيَاسِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ؛ فَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلًا وَنَهَارًا؛ لَزِمَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلًا وَنَهَارًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اللَّيْلُ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّبَعِ مَا يُشْتَرَطُ لِلْأَصْلِ وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ قَدْ أَكَلَ فِيهِ؛ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الصَّوْمِ وَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ فِي يَوْمٍ قَدْ أَكَلَ فِيهِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الصَّوْمُ؛ لَمْ يَصِحَّ الِاعْتِكَافُ.
وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمَيْنِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ؛ يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ يَوْمَيْنِ بِلَيْلَتَيْهِمَا وَتَعْيِينُ ذَلِكَ إلَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ؛ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَيَمْكُثُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَيَوْمَهَا، ثُمَّ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ وَيَوْمَهَا إلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اللَّيْلَةُ الْأُولَى لَا تَدْخُلُ فِي نَذْرِهِ وَإِنَّمَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْمُتَخَلِّلَةُ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ.
فَعَلَى قَوْلِهِ يَدْخُلُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلَوْ دَخَلَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْيَوْمَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِبَيَاضِ النَّهَارِ إلَّا أَنَّ اللَّيْلَةَ الْمُتَخَلِّلَةَ تَدْخُلُ لِضَرُورَةِ حُصُولِ التَّتَابُعِ وَالدَّوَامِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي دُخُولِ اللَّيْلَةِ الْأُولَى، بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَ الْأَيَّامَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ حَيْثُ يَدْخُلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ هُنَاكَ لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ كَقَوْلِ الرَّجُلِ: كُنَّا عِنْدَ فُلَانٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُرِيدُ بِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَمَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي، وَمِثْلُ هَذَا الْعُرْفِ لَمْ يُوجَدْ فِي التَّثْنِيَةِ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا الْعُرْفَ أَيْضًا ثَابِتٌ فِي التَّثْنِيَةِ كَمَا فِي الْجَمْعِ؛ يَقُولُ الرَّجُلُ: كُنَّا عِنْدَ فُلَانٍ يَوْمَيْنِ وَيُرِيدُ بِهِ يَوْمَيْنِ وَمَا بِإِزَائِهِمَا مِنْ اللَّيَالِي.
وَيَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَكِنْ تَعْيِينُ الْيَوْمَيْنِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ فِي النَّذْرِ، وَلَوْ نَوَى يَوْمَيْنِ خَاصَّةً دُونَ لَيْلَتَيْهِمَا؛ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَيَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ يَوْمَيْنِ بِغَيْرِ لَيْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَهُوَ بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّتَابُعِ وَالْيَوْمَانِ مُتَفَرِّقَانِ لِتَخَلُّلِ اللَّيْلَةِ بَيْنَهُمَا؛ فَصَارَ الِاعْتِكَافُ هَهُنَا كَالصَّوْمِ فَيَدْخُلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ؛ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَيَّامُ مَعَ لَيَالِيهِنَّ وَتَعْيِينُهَا إلَيْهِ، لَكِنْ يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ صِفَةِ التَّتَابُعِ.
وَإِنْ نَوَى الْأَيَّامَ دُونَ اللَّيَالِي صَحَّتْ نِيَّتُهُ؛ لِمَا قُلْنَا وَيَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِغَيْرِ لَيْلَةٍ وَلَهُ خِيَارُ التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَعَلَّقَتْ بِالْأَيَّامِ.
وَالْأَيَّامُ مُتَفَرِّقَةٌ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ إلَّا بِالشَّرْطِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَيَدْخُلُ كُلَّ يَوْمٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ ثُمَّ يَخْرُجُ.
وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَتَيْنِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ؛ يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ لَيْلَتَيْنِ مَعَ يَوْمَيْهِمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: ثَلَاثَ لَيَالٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ اللَّيَالِي وَيَلْزَمُهُ مُتَتَابِعًا لَكِنَّ التَّعْيِينَ إلَيْهِ لِمَا قُلْنَا وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ